وكان محمد بن عبد الله بعد ما أدخل أهالى المدينة فى دائرة بيعته ساق مقدارا كافيا من الجنود للاستيلاء على مكة المعظمة وبلاد اليمن وسواد الشام ولم يلق سمعا لما بعثه أبو جعفر من رسائل مهددة، وإن كان محمد بن عبد الله لم يستطع أن يستولى على بلاد الشام إلا أنه أقلق بخروجه أبا جعفر المنصور وبحث عن حل سريع لحل هذه المشكلة فأمد والى الكوفة عيسى (١) بن موسى المعروف بقسوة القلب بأربعة آلاف من الجنود إلى المدينة المنورة وأمره بأن يقتل محمدا بن عبد الله وكل من تبعه واحدا تلو آخر.
وكان من الممكن أن يقاوم محمد بن عبد الله مع أهالى دار العزة المدينة المنورة عيسى بن موسى. ولكن كان عيسى بن موسى قد هدد أهالى المدينة بإرسال رسائل مزورة لهم، وبما أن وقعة حرة واقم لم تزل فى ذاكرتهم أخذوا ينسحبون من جانب محمد بن عبد الله واحدا إثر الآخر. ودفعوا ذلك الشخص العالى القدر بثلاثمائة من المغاوير الأبطال أمام أربعة آلاف من سفاحى بغداد.
ولما رأى محمد بن عبد الله أن الذين تحت تبعيته أخذوا يهربون إلى جهة ما وأخذت قوته تنقص شيئا أخذ يحفر فى أطراف المدينة خنادق عميقة من شدة ولهه وحيرته ويقول من شدة يأسه «كل من لا يرد أن يحارب المنصور فليغادرنى» ومع مرور الزمن من تناقض عدد جنوده حتى لم يبق بجانبه إلا ثلاثمائة من الفدائيين، وكان والى الكوفة ظالما غشوما ومشهورا بعداوته لآل النبى صلى الله عليه وسلم فأقام معسكره خارج المدينة المنورة وبعث يقول: يجب أن يتخلى محمد بن عبد الله عن فكرة الخلافة وأن يطيع وينقاد لأبى جعفر المنصور وأن ينسحب من حوله تاركين محمدا بمفرده وأن الذين لا ينسحبون من حوله سيندمون فى نهاية الأمر. ولما رأى أن محمد بن عبد الله مازال متمسكا بفكرته كما أن الفدائيين الذين حوله ما زالوا ثابتين بجانبه اغتاظ غيظا شديدا وتجرأ على أن يسوق من تحت إمرته من السفاحين إلى داخل المدينة المنورة وأخذ يحارب وهو يسب محمدا بن عبد الله بن حسن بن حسين بن على بن أبى طالب علنا بصوت عال.