الشهور المذكورة، إذ ركب ناقة فى موسم الحج السنوى الذى يعلن فيه البدو عن أفكارهم وخاطب أفراد القبائل الموجودة بالقرب منه وهو يريد أن يختبر درجة قوة عقيدة الذين هم على دين إبراهيم وإخلاصهم لها، فقال ما معناه: يا معشر العرب إن إلهكم قد أحل لكم هذه السنة شهر محرم ونقل حرمته إلى شهر صفر، وعلى الفور قامت مجموعة ممن أخذوا برأى قلمس وقوله بالإغارة وقتل قبائل البدو اعتبارا من تلك اللحظة، وعند ما رأى قلمس أن حكمه فى هذا الأمر قد استقبل باستحسان وعرف أن فكره سيروج وقف فى موسم الحج فى السنة التالية خطيبا بينهم وأعلن أن حرمة شهر محرم قد تأجلت بأمر الله إلى شهر صفر، أى أن شهر محرم حلال وأن شهر صفر سيكون حراما بدلا منه واستقبل هذا الأمر عند أفراد جميع القبائل بسرور زائد.
وتصديقا لهذا اعتاد أن يخطب فى كل موسم حج ويؤجل حرمة الشهر الذى يريده إلى شهر آخر.
وبعد قلمس انتقلت هذه العادة السيئة إلى ابنه عبادة وبعد وفاته إلى «قلع بن عبادة»،ومن بعد أيضا إلى «أمية بن قلع» ومن بعده إلى «عوف بن أميه» وعند ما توفى عوف انتقلت إلى ابنه «أبى ثمامة جنادة بن عوف» وعند ما أشرقت شمس الإسلام وظهرت أشعتها فى الأفق فى زمان أبى ثمامة جاءت الآية الجليلة لتبطل العادة المذكورة وتلغيها.
{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ}(التوبة:٣٧).
واختلف المفسرون فى تحديد اسم الشخص الذى تجرأ وابتدع هذه العادة القبيحة فادعى بعضهم أنه نعيم بن ثعلبة من بنى كنانة، وادعى البعض الآخر أنه جنادة بن عوف وبعضهم ادعى أنه قلمس بن عبد بن فقيم، والذين قالوا إنه قلمس بن عبد بن فقيم يؤيدون ادعاءهم بذكر قول الشاعر: