وعند ما رأى هرقل ترددنا الواضح فى تصديق حكاية الصور قال: إن هذه الصور بقيت من الأزمنة الغابرة، وإن كان من الصعب إثبات مدى مطابقة الصور لشكل أصحابها ما لم نرهم، إلا إننى عندى البينة الكافية لتأكيد صحة هذا الأمر.
يجب ألا ترتابوا فى أن الصور الشريفة للأنبياء ذوى الشأن الذين ذكرت أسماؤهم هى لهم. فإن سيدنا أبا البشر-عليه سلام الله الأكبر-أراد رؤية من اتصفوا بخير الصفات والذين سيتبوأون مقام النبوة من أولاده وأحفاده. ولما عرض أبو البشر ما فى ضميره على عالم السر والخفايا، أنزل الرحمن من عنده الصور المذكورة مرسومة على لوح مزين لحكمة لا يعرفها سواه.
وقد وضع سيدنا آدم اللوح المذكور فى مغارة فى بلاد المغرب بعد رؤيتها وهال عليها التراب والحجارة إلى أن وجدها ذو القرنين. ولفها فى قطعة من الحرير وحفظها، ولهذا انتقل اللوح المذكور مع قطعة الحرير هذه إلى يد النبى دانيال- عليه السلام-وقام المشار إليه برسم كل واحدة منها فى لوحة مستقلة، وبذلك نجح فى عمل صور كثيرة للأنبياء.
إن الذى ابتهجتم برؤيته وقررتم عينا بمشاهدته من الصور فجميعها من جملة الصور التى رسمها النبى دانيال، وقد ورثها الناس كابرا عن كابر إلى أن وصلت إلينا فى نهاية الأمر. وهكذا طيب خاطرنا وأعادنا إلى وطننا.
ورغم أننا لم نصدق أن الصور التى رأيناها عند هرقل تشبه شمائل الأنبياء الكرام، إلا أن الأمر ظل يتفاقم فى ذهننا وقد اضطررنا أن نعرض الأمر على الخليفة حتى نستوضح حقيقة الأمر منه.
وحينما وصلنا إلى المدينة المنورة توجهنا للقاء حضرة الخليفة الصديق وقبل أن نتحدث بما حدث أخبرنا بكل ما حدث أمام هرقل من مشاهدة الصور وما تحدث به بلا زيادة ولا نقصان وبعد ما بكى قليلا قال: إن طوائف اليهود وطوائف النصارى قد قرءوا فى كتبهم صفات النبى-صلى الله عليه وسلم-ونعوته ولكنهم تمردوا وعاندوا ولم يؤمنوا به.