قد تساءل هذا المغرور محدثا نفسه: يا ترى لماذا حاز هذا البناء المسمى بالكعبة كل هذا التوقير والتعظيم من قبل العرب؟! ما يا ترى مكانة هذا البناء وما مدى جماله وزينته حتى يجذب إليه كل هؤلاء الناس؟!.
ولما عرف أن الكعبة بيت من الحجارة المأخوذة من الجبال الكائنة حولها وأنها بناء حجرى عال عزم-بناء على رأيه الفاسد-أن يبنى معبدا أعظم وأضخم من الكعبة الشريفة وكتب إلى النجاشى طلبا يقول له فيه إننى أبنى بجانب قصر غمدان (١) فى صنعاء قصرا عظيما رصين البناء فخما يليق بعظمتكم وعلو شأنكم وسوف أجتهد على أن يكون هذا القصر مزينا لا مثيل له فى الفخامة فى العصور السابقة.
وبما أن النجاشى لم يلتق بالرسول-صلى الله عليه وسلم-فلا يعد-عند من يشترط اللقاء مع النبى صلى الله عليه وسلم-من الصحابة الكرام وإن كان بعض العلماء يعدونه من الذين يؤمنون بالمعاهدة من الأصحاب الكرام. قد مات النجاشى فى رجب من السنة التاسعة من الهجرة وصلى على جنازته فى المدينة المنورة وهذا يرجح كونه من الصحابة.
يروى أن هذا القصر قد هدم فى عهد عثمان بن عفان أو خلافة عمر وقصر غمدان أحد عجائب الدنيا وكان أحد جدرانه الأربعة أصفر اللون والثانى أبيض والثالث أخضر والرابع أحمر اللون داخل هذا القصر، وفوقه قصر آخر من سبعة طوابق وكان بين طوابقه فواصل قدرها أربعون ذراعا وكان ارتفاع جدرانه الخارجى ٣٠٠ ذراع وكان فى كل ركن من أركانه الأربعة صورة أسد فاغر الفاه مكشوف من الأسفل فارغ البطن وعند ما كان يدخل الهواء فى أسفله يخرج من فيه محدثا صوتا غريبا شبيها بصوت القنفذ.
(١) قصر غمدان من القصور التى بناها يشرح من ملوك اليمن. وقال بعض الرواة: إن يعرب بن قحطان هو الذى وضع أسسه وأكمله وائل ابن حمير بن سبأ. وقال بعضهم (أن بانيه ضحاك ومع مرور الزمان انتقل أسسه إلى سيف بن ذى يزن)،والرواية الأخيرة أقرب إلى الصحة وقال المؤرخون (أن ضحاكا قد بناه ونسبه إلى «نجم الزهرة» وبناء على هذا فإن قصر غمدان أحد البيوت السبعة التى نسبت إلى الروحانية وسميت بأسماء الكواكب السبع السيارة).