وبينما كان عبد الله متجها إلى جبل أبي قبيس تبعه أحد أنجاس الشام، ورماه بيده الحقيرة بحجارة وأوقع ذلك البطل أسد الوغى على الأرض، كما تقدم أحد الأنجاس المنكرين وقطع تاج الرءوس ومضى به إلى الحجاج الظالم.
قد سر الحجاج قليل الأدب أيما سرور وسجد شاكرا حامدا وكله فخر وسرور ثم أرسل رأسه الشريف مع رءوس الرؤساء الآخرين من أهل مكة، وصلب جثته الموعودة بالغفران، وأمر ألا تنزل حتى ترجو ذلك أمه أسماء ذات النطاقين.
حينما سمعت ذات النطاقين ذلك الأمر قررت ألا تذل نفسها برجاء الحجاج، ولكنها مرت بالصدفة من جانب المكان الذي كان مصلوبا فيه، وقالت أما آن لهذا الفارس أن يترجل!؟ وعند ما سمع الحجاج السفاح هذا القول أوله بالرجاء، وأمر أن تنزل جثة الشهيد المظلوم من مصلبها. ودفنت في مقبرة الحجون صنوان الجنة في جمال منظرها.
ويقول بعض المؤرخين إذ يروون هذا الخبر بشكل آخر. إن أم الزبير ذات النطاقين لم تتذلل إلى الحجاج طالبة منه إنزال ابنها من مصلبه، وكذلك لم تقل أما آن لهذا الفارس أن يترجل. وقد أنزلت جثة عبد الله من مصلبه بأمر وارد من عبد الملك. وكان عبد الملك يعرف مدى عداوة الحجاج لابن الزبير وقد بلغه أن الحجاج يصر على إبقاء جثة عبد الله على المصلب؛ لذا بعث برسول إلى الحجاج يأمره أمرا قاطعا بإنزال جثة الشهيد، وقد أنزلت جثته بعد أربعين يوما من تاريخ صلبها، وسلمت إلى أمه ذات النطاقين التي ابتدرت بتجهيزها وتكفينها ودفنت في مقبرة المعلا. وبناء على هذا قد مضي أربعون يوما بين استشهاد ابن الزبير ودفنه، وظلت جثته مصلوبة أربعين ويوما.
قد كبر جموع جند الشام حينما بلغهم استشهاد عبد الله بن الزبير من فم واحد، مظهرين فرحهم وسرورهم، وحينما بلغ الخبر إلى أسماء ذات النطاقين التي كانت قد تجاوزت الثمانين من عمرها، قالت بعد ما استرجعت الآية الجليلة:
{إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}(البقرة:١٥٦) ما هذه الحال؟! وما أعجبه؟! إذا كان