جانب المنجنيق وقد أصابهم الفزع، إلا أن موت بعض أهل مكة بالصواعق أيضا أعطى فرصة للحجاج الظالم أن يخاطب جنوده. قائلا: الحق معكم وليس مع أهل مكة إن العلامات المهيبة الخاصة بأراضي الحجاز زالت فاصبروا قليلا.
وقد أدى خطاب الحجاج هذا إلى اشتداد القتال، ومد الصراع وزاد القحط والغلاء في مكة مما جعل المكيين يسأمون من أرواحهم، فالتجأ أغلبهم إلى الحجاج طالبين الأمان وترك بعضهم عبد الله بن الزبير متجهين إلى المدينة المنورة.
ولم يكن أهل مكة فقط ممن تخلوا عن عبد الله بن الزبير في محنته، ولكن ابنيه حمزة وحبيب وهما من صلبه تخليا عنه، ولجأ كلاهما إلى السفاح الحجاج مبايعين وتركا والدهما بمفرده؛ ولكن ابنه المسمى بالزبير ظل في عون أبيه ولم يفترق عنه.
وذهب عبد الله بن الزبير إلى أمه إذ رأى أصحابه قد افترقوا من حوله كفرخ الحجل، وقابل والدته ذات النطاقين وقال لها: يا أماه إن أتباعي الذين كانونا معي خانوني كما خان أهالى الكوفة أتباع الحسين بن على-رضي الله عنه-سيدهم.
ومع هذا ظل أولاده بجانبه، ولكن أولادي قد خانوني إذ انضموا إلى الحجاج مبايعين وتركوني بمفردي، إن ذلك الظالم الذي لا يستحيي يبعث لي رسائل واحدة تلو أخرى قائلا: إذا تركت مخالفتي أقبل جميع مطالبك.
فما رأيك في هذا الخصوص فقالت له: يا بني لا يليق بك بعد كل هذه الحروب أن تسلم نفسك إلى يدي بني أمية. إنك رجل مسن، كم سيطول عمرك؟ وخير لك أن تستشهد ببطولة من أن تعيش في صحراء المذلة والاحتفار، فلما سمع منها هذا الرد ودعها، وقضى ليله حتى الصباح في داخل الكعبة متعبدا متضرعا وبعد ما أدى صلاة الفجر أخذ معه بعض الفتيان الذين قرب أجلهم، وأخذ يقاتل ويهلك في كل هجمة عدو الله وهكذا أخرج جند الشام الموجودين في داخل المسجد الحرام ثم خرج من باب الصفا واتجه صوب جبل أبي قبيس.