وبعد فيعرف أهل النهى جيدا أن كل قطعة من حجارة البلدتين الطيبتين أغلى وأكرم من جواهر ملك سليمان، وكل ذرة من ترابهما المطوية بالغفران أعز من إكسير العظمة وجوهرها، ومن هنا فإنّ أفضليّة البلدتين الطيبتين على جميع الممالك على وجه البسيطة ظاهرة للعيان. ووجوب زيارتهما على كل مسلم قادر أمر بديهىّ واضح، يزورهما فيستطلع فوائدهما وفضائلهما ويستكشف خصالهما وخصائصهما، وهذه الزيارة لها شديد اللزوم لكل موحد يلبى الدعوة الروحانية الإبراهيمية «على نبينا وعليه التحية» بالصلاة والسلام وعلى الذين يأتون لهذا المكان مثل حمائم الحرم طالبين الراحة النفسية.
وقد ألف العلماء الكرام كثيرا من الكتب ليبرهنوا على أن الأرض المضيئة التى تحتوى على الأقطار الحجازية المنجية أقدس مكان على وجه الأرض ونشروا هذه الكتب وليعرفوا الخلف ما تمتاز به الأراضى الحجازية من فضل وقدسية في نشأتها. كما أن شعراء القبائل البدوية قد أنشدوا قصائد بليغة وفقرات مسجوعة فى ذات الموضوع تناقلتها الألسن.
إلا أنه لا يخفى على أصحاب الاطلاع والبحث والتدقيق أن تلك الكتب المؤلفة فى هذا الموضوع والقصائد التى قيلت فيه ظلت فى زاوية منسية في أصونة دور الكتب.
وبما أنه لم يكتب إلى الآن فى لغتنا التركية كتاب مستقل خاص بهذا الموضوع فالروايات التى تتناقلها الألسن وتسمعها الآذان من البديهى ألا تخلو من التناقض، وهذا ما يجعل التأكد من حقائق الأمور من الصعوبة بمكان، وبناء على هذا فكل أبناء الوطن الذين يريدون أن يطلعوا على حقائق الأماكن المشحونة بالمحاسن-حقائق الحرمين الشريفين-ومواقع آثارهما وفضائلهما لا يجدون مراجع يستقون منها ما تتوق أنفسهم إلى معرفته من حقائق الحرمين الشريفين، فأحسّ هذا الفقير العاجز بالحاجة إلى أثر فوائد موائده لم ير ولم يسمع بمثله إلى الآن، أثر عظيم القدر لا يستغنى عنه، وإننى كنت قد عرضت على أنظار العامة