ووضيعهم فشمروا عن ساعد الجد فى حماسة دافقة، وأقدموا على تنظيف الحرم الشريف وتطهيره مما جرفه السيل من الحجارة والتراب وغيرهما، وبصعوبة شديدة استطاعوا أن يطهروه فى خلال ثلاثة أشهر.
قد تكون فى داخل الحرم الشريف بما جلبه السيل من الكناسة والتراب أكوام كأنها تلال وجبال هنا وهناك.
وتحول كل واحد من أهالى مكة الكرام إلى فرهاد حافر الجبل (١)، إذ أخذوا ينقبون تلك الجبال والتلال ويهدمونها ويفتتونها ثم يحملون الأحجار والأتربة إلى خارج البلد. ولا يعرف عدد من مات من الناس وما نفق من الحيوانات وما محى من أموال وأمتعة.
٢٣ - وفى عام (١٢١٣) ظهر السيل الثالث والعشرون من تلك السيول التى ألفت مكة أن تشاهدها. وهذا السيل كان سيلا هائلا، وما كان شبها للسيل الذى وقع قبله بخمسة عشر عاما إذ لم يتأذ الناس بأضرار كثيرة.
إذا لم يعمق طريق المسعى الشريف - وهو مجرى السيل كما ينبغى فإن ظهور السيول وجريانها سيكون شيئا طبيعيا، وكلما لاحت فى السماء قطعة من السحاب أصبح من المجرب أن يظهر السيل بعد ساعتين، وإذا ما أتى السيل نهارا لا يسبب ضررا كبيرا للناس، ولكنه إذا وقع ليلا يتسبب فى خسائر عظيمة للناس فى أموالهم وحيواناتهم.
(١) هو فرهاد الحفار أو الذى عشق (شيرين) جارية (كسرى) كان هذا الملك يحب شيرين حبا جما، واتصل بعلمه أن قلبها خفق بحب فرهاد وشاء أن يتخلص منه وأمره بحفر طريق فى الجبل، وضرب له موعدا قريبا ليعجزه عن ذلك، ووعده بأن يهب له شيرين إذا أنجز عمله فى موعده، وامتثل فرهاد لأمر كسرى وأنجز عمله قبل الموعد المعين، فأسقط فى يد الملك ولكن عجوزا احتالت لتخلص الملك من فرهاد وأخبرته بأن شيرين ماتت فصدم فرهاد وكره أن يعيش بعدها وألقى بنفسه من رأس الجبل. وهى قصة تداولها شعراء الفارسية والتركية والأردية بالنظم وضمنوها رموزا صوفية. (المترجم).