وكان قد بقى ميدان صغير عقب التعمير بين المسجد الشريف والمسعى اللطيف، فأخذ جعفر بن يحيى البرمكى وزير «هارون الرشيد» عهدة هذا الميدان، وفيما بعد استقطع عدة بيوت ومساكن ثم ساحة (دار القوارير) وأقام فى المتسع دارا منقطعة النظير.
وبعد مدة انهارت كل هذه المبانى ما عدا دار القوارير. واندرست أسسها وضاع أثرها وأقيمت فى مواضعها ربط حصينة، كما أن هذه الربط انهدمت على مر الزمان، ولكن السلطان (قايتباى) المصرى ابتاع هذه الربط بتمامها وهدم ما تبقى من آثارها، وبنى المدرسة والرباطان اللذان ينسبان لاسمه، وبنى بعض العقارات وأو وقف ريعها للإنفاق على ترميم المدرسة والرباط المذكورين وتعميرهما.
والبيت الأنيق الذى بنى على أرض دار القوارير انتقل بمرور الزمان ليد جواد البربرى، وفرش جواد داخل ذلك البيت وزينه بالزجاج الملون، كما زين خارجه بالرخام المصقول المختلف الألوان، لكن ذلك البيت فقد قيمته بوفاة جواد، وانتقل المنزل من يد لأخرى ثم انهار وبنى مكانه الربط والمدارس.
ولما أبلغ متولى أمر المبانى (المهدى) بإتمام تعمير المسجد الحرام؛ رغب الخليفة فى زيارة أبنية المسجد الحرام الجديدة، وتوجه إلى مكة المعظمة ورأى أن ناحية مسيل الوادى لم توسع، وأن هناك فاصلة كبيرة بين البقعة المقدسة لبيت الله وبين الجدار الجنوبى للحرم الشريف، ورأى أنه إذا ما وسعت هذه الجهة سيضيف هذا إلى المسجد رونقا وجمالا زائدا، وستتوسط الأبنية المربعة للبيت الأعظم مساحة مسجد الحرام، واستدعى الموكلين ببناء المسجد، وأطلعهم على ما يجول فى خاطره وأمرهم بأن يجددوا ذلك المكان وفق اقتراحه ورأيه؛ ولكن متعهدى البناء قالوا إذن يجب أن تهدم جميع البيوت التى على الضفة المقابلة لمسيل الوادى، ويحفر مجرى آخر ويضم المسيل القديم كلّه إلى الحرم الشريف، وهذا الأمر فى منتهى الصعوبة بل مستحيل.
لأنه يلاحظ أن السيول التى سترد من وادى إبراهيم ستهدم جميع الأبنية