جميع العقائد والأراء الباطلة والأفكار الخاطئة بحسن تدبيرهم، وهكذا استطاعوا أن يدخلوا سكنة الحجاز كلهم فى دائرة المذهب الحق مذهب أهل السنة، والجماعة الفرقة الناجية وأذنوا لمفتىّ المذاهب الثلاثة الحكم فى مسائل الطلاق والنكاح وغيرهما من المسائل، ولمفتى المذهب الحنفى الحكم فى المسائل الأخرى المهمة وبناء على أصح أقوال الفقهاء، وحكموا وفقا للأحكام الشرعية فى البلاد العربية وخاصة فى الحرمين الشريفين، سواء أكان فى العقيدة والآراء أو فى جميع المعاملات والعقوبات الفقهية متبعين فى ذلك رأى السلطان ورؤيته، وبهذا فعلا أحيوا الشريعة الأحمدية وحكموا بالأحكام الإلهية.
وكان المفتى الشافعى تاج الدين بن بنت الأعز سببا فى تعيين الملك الظاهر مفتيا لجميع المذاهب فى مصر، وكان الملك الظاهر يلجأ إلى تاج الدين ابن بنت الأعز فى جميع المسائل لكونه مفتى الأنام (١)، وبما أن الشيخ تاج الدين كان يريد أن يجيب على كل مسألة إجابة صحيحة اتخذ من كل المذاهب نائبا له، وكان يفتى بعد ما يتفق معهم على الإجابة.
ولسبب ما امتنع مرة عن الإجابة للمسألة التى عرضها عليه الملك الظاهر وقال له «إن هذه المسألة يقتضى سؤالها من النائب الحنفى، وكأنه بهذا القول أراد أن يشير إلى أن الوقت قد حان لتعيين مفتى لكل مذهب من المذاهب، وبادر الملك الظاهر بتعيين مفتى لكل مذهب حتى لا يحدث خلل فى رابطة الموحدين، وأطلق عليه لقب قاضى القضاة، وأمرهم بأن يرسلوا من قبلهم نوّابا لهم إلى البلاد التى فى حاجة إلى ذلك وحينما عين المفتيين الأربعة سر صاحب القصيدة المشهورة البردة - وكان حيا يرزق - من هذا العمل وأنشد الأبيات الآتية:
غدا جامع بن العاص كهف أئمة ... فلله كهف الأئمة جامع
(١) معنى مفتى الأنام هو «قاضى القضاة» وأول القضاة فى مصر هو أبو الحسن على، بن نعمان وأول من عين قاضى القضاة فى الدولة الإسلامية هو الإمام «أبو يوسف». صاحب أبى حنيفة.