ومهما كان الإنسان مطلعا على التاريخ وتعلم ما يخص المناسك وكان متبحرا فى العلوم فهو فى حاجة إلى دليل عند زيارته للمآثر المبروكة، وأن طفلا من أهل مكة فى الخامسة أو السادسة من عمره يمكنه أن يخجل فى آداب الزيارة، وتعيين مواقعها ومعرفة آثار مكة المتبحر فريد عصره ووحيد دهره، إن فى عصرنا هذا من المستحيل أن نجد عالما متبحرا فى تحليل المسائل الفقهية والشرعية ودقائقها مثل الإمام الأعظم أبى حنيفة رحمة الله.
قد أوجب الإمام الأعظم - الذى يسلّم بفضله وكماله - اتخاذ دليل للحاج.
ولا يقال ما دامت كتب المناسك فى اليد والمعلومات التاريخية فى الحافظة فما لزوم الدليل؟
وفى الواقع أن كتب المناسك والمعلومات التاريخية يمكنهما أن تكونا رفيقين شقيقين للحاج، وهذه حقيقة غير قابلة للإنكار، إلا أن الشخص المتبحر الذى تعلم مسائل الحج من كتب المناسك، وتعرف على الآثار الشريفة بواسطة كتب التاريخ، ثم حج معتمدا على هذه الأشياء يشبه ربان الباخرة، فمثل هذا الربان لا يستطيع أن يقترب من الشطآن المجهولة معتمدا على المعلومات الغنية للشخص المكلف بحسابات السفينة، وما معه من الخرائط ومتانة آلات الباخرة وسائر أدواتها، صحيح أنه قد يصل إلى المكان الذى يقصده بدلالة البوصلة ومتانة الآلات والأدوات الأخرى، ويمكنه أن يتجافى مخاطر العواصف والأعاصير المتوقعة، وأنه قد يصل إلى شاطئ السلامة، لكن مع كل هذا لا يمكنه أن يستغنى عن الدليل المرشد الذى يعرف أماكن الجزر والمضايق والرمال التى لا تستقر فيها المرساة والجرف، وكل ربان يخرج إلى البحر بدون أن يأخذ معه دليلا بدافع تعنته وغروره الأنانى، يكون قد ألقى بأرواح المسافرين معه فى بحر الهلاك.
وكذلك تعطى كتب المناسك والتاريخ معلومات صحيحة ومكملة، إلا أنه يحتاج إلى دليل عند زيارة الآثار، دليل يوضح له الآثار، وآداب زيارتها وكيفية تصرفه عند وجوده عندها، لأن الكتب لا تستطيع أن تؤدى الخدمة التى يؤديها