الدليل. وبناء على ذلك يقتصر اختيار الدليل على كونه من أهل مكة. وبما أن قبلة الموحدين الكعبة المعظمة المفخمة تقع فى واد غير ذى زرع؛ فأغلب سكانها يتعايشون بالدلالة وسقاية الحجاج. والقليلون منهم يشتغلون بالخياطة والعطارة وغيرها من أعمال البيع والشراء وتمر الحياة عندهم. وكانت مهنة الدلالة المهمة فى صدر الإسلام وقصرا على خمسة أو عشرة أشخاص، وفيما بعد تعددت البلاد الإسلامية وأصبح من الواجب تعيين دليل خاص لكل بلد من البلاد الإسلامية. وفى زماننا أدلة خاصة سواء أكان للمسالك العثمانية أو الممالك الموجودة فى البلاد الأجنبية، فالحاج عندما يصل إلى مكة فمن الأمور الواجب إتباعها الاتصال بدليل بلاده ومراجعته، فإذا ما لجأ إلى دليل آخر غير الدليل الذى عين من أجل بلاده يكون قد ألقى نار الخصومة بين الدليلين، وقد صدرت مثل هذه الخصومات فيما مضى كثيرا حتى قام الأهالى بعضهم ضد بعض، لأجل ذلك قرر أن يكون لكل دليل وكيل فى مرفأ جده المعمورة، يستقبل الحجاج التابعين له وكان قرارا سديدا.
وبما أن للعساكر السلطانية دليلا بريا ودليلا بحريا معينان بالأمر العالى فهم مستثنون من مراجعة أدلاء البلاد، إذا كان الجندى الحاج من الجنود النظاميين يراجع دليل الجنود النظاميين، وإذا كان بحريا يراجع دليل البحرية، ودليل الجنود النظاميين الشيخ محمد أفندى، ودليل العساكر البحرية الشيخ أحمد حوائى أفندى، وخدم أحمد حوائى أفندى فى داخل البيت الأكرم ما يقرب من خمس عشرة عاما، وقد اضطر أن يختار دلالة البحرية حتى لا يقصر فى خدمة الحرم الشريف بسبب شيخوخته، وكان يؤوى جميع ضباط البحرية وأنفارها الذين يحجون فى منزله دون أجر، إذ كان رجلا سخيا كريما رغم فقره، وقد ارتحل عن دنيانا سنة (١٢٩٩ هـ) تاركا مهنته لابنيه عبد الكريم ويوسف وكلاء السادة الأدلاء فى مدينة جده، إن وكلاء جده يترقبون وصول البواخر، وعند ما تأتى البواخر يستقبلون الحجاج الذين ينتسبون إليهم، ويأخذونهم إلى البيوت أو المنازل حيث يؤونهم، ثم يوصلونهم إلى مكة المكرمة بعد وصولهم بثلاثة أيام أو أربعة