وانتزعوا زمام الحكم فى فترة ما واغتصبوا دور إفتاء مذاهب الحق، وتدخلوا فى الأحوال الشخصية لهذه المذاهب الحقة من حيث عقد النكاح وأخضعوا على الأحكام الفرعية لمذهبهم وأصبح لا يعقد النكاح دون الاستئذان من قضاة تلك الطائفة ودون وجود أحد أئمتهم. وطفح كيل أهل المدينة من مظالمهم التى لا تطاق وتشتتوا فى أطراف البلاد الأخرى فرادى ومثانى، واتحد أفراد الملاحدة واتفقوا على ألا يدخلوا أحدا من علماء المذاهب الحقة فى دار الهجرة، وطردوا العلماء الذين فى داخل المدينة واحدا تلو آخر؛ وبهذا أصبحت المدينة المنورة تحت أيدى طائفة الرافضة وخلع كل واحد منهم برقع الحياء والأدب وخرجوا جميعا من دائرة الشرع المنجية، وابتدعوا بدعا كثيرة متعددة وارتكبوا مساوئ تستدعى غضب الله، وهكذا كانوا سببا فى احتراق مسجد السعادة، حتى إنهم رأوا بعض الأبيات كتبت على جدران المسجد الباقية دون الاحتراق من قبل الرحمن وأخبروا ذلك وكانت الأبيات المشهودة تبين إساءات الطائفة المذكورة وقد سطرت أيضا فى الصورة من الوجهة الأولى، ولما استمرت وقاحة هذه الطائفة بعد تجديد مسجد السعادة أيضا قويت إرادة أحد ملوك «نصير» الشراكسة فعين مفتيا لموحدى المذهب الحق فى المدينة المنورة، وهكذا أرسل إلى طيبة الطيبة المفتى «شاهى» من أفاضل الفقهاء، ولما وصل المفتى المرسل من «نصير» إلى المدينة رأى أن أفراد المذاهب الحقة لا حكم لهم فى المدينة المذكورة لأجل ذلك فضل أن يؤدى مهمته فى مسجد ينسب إلى أبى بكر الصديق وقد أصبح مسجد السعادة تحت سيطرة غلاة الملاحدة وأخذ يصلى هناك ليلا ونهارا يعظ وينصح الناس فى خفاء وعزلة، وقد ظهر فى أثناء ذلك كثير من الموحدين الذين احترقت أكبادهم بنار الغيرة على الإسلام، وبذل المفتى جهده للتغلب على طائفة الملاحدة واستطاع بتصرفه الحكيم أن يدخل فى المسجد الحرام مع جم غفير ممن التفوا حوله من أتباعه وأخذ يعظ هناك وينصح وبهذه الطريقة الأصيلة استطاع أن يزيد عدد أتباع جماعات المذهب الحق يوما بعد يوم وبهذا ظهرت علامة إمكانية التغلب على الملاحدة.