ولما رأت الطائفة المذكورة ازدياد أتباع المذهب الحق أخذت تتبع المفتى حيثما يذهب وتؤذيه فى جسمه وترجمه بحجارة الجور والإهانة حيثما يعظ وينصح من المساجد، إلا أن المفتى قد فتح صدره بالصبر لتحمل اعتراضات الملاحدة وزاد من عدد جماعته يوما بعد يوم وبهذه الطريقة استطاع أن يعظ ويخطب أحيانا حتى فى مسجد السعادة إلا أن جور ملاحدة الإمامية وأذاهم زاد قدر سعيه وجهده إذ أخذوا يرجمونه حينما يخطب فى المسجد حتى وهو يستأذن النبى صلى الله عليه وسلم واقفا أمام قبره وتعرض إلى غير ذلك من الأذى والتعب حتى أصبح يخاف على نفسه فقلت جرأته-وفق عادات البشر-وأراد أن يحصر وظيفته-الإمامة والخطابة-فى المسجد الذى ينسب لاسم الصديق الأكبر-رضى الله عنه-ومع هذا لم يتركوه على راحته حتى فى مسجد أبى بكر ولم يستطع أن يؤدى مهمته مستريحا.
وقد تأثر أفراد سادات المذاهب الحقة من هذا الوضع وثقل عليهم، لذا قرروا فى مجلس عقدوه لبحث هذا الموضوع أن يخطب المفتى فى مسجد السعادة فإذا ما التزمت الطائفة المذكورة طريقة الإساءة والأذى والتسلط كان له أن يقاومهم بالسلاح وقد كثر عددهم وعلى هذا عادوا يوما لأداء الصلاة فى مسجد السعادة، وقد اتحد مردة دائرة الرفض والإلحاد على أن يؤذوا ويسيئوا للخطيب فى داخل جماعته إلا أنهم جبنوا عن ذلك لما وصلهم من اتفاق أهل المدينة على المقاومة وأنهم كلهم متسلحون وعلى هذا لم يستطيعوا أن يتسلطوا على الخطيب بالرجم بل أطالوا ألسنتهم وأظهروا خبثهم بهذا الشكل.
وأخذ المفتى بعد هذه الواقعة يكثر من خطبه ومواعظه فى مسجد السعادة. إلا أن هذا العمل أثار غيظ علماء الطائفة المذكورة وغضبهم لذا فكر عقلاء الأهالى أن يحموا شخص المفتى ذو المحاسن من سهام إهانة الأشقياء وعن سوء قصد الملاحدة وقرروا أن يسير أمام الخطيب المفتى حينما يقوم من مكانه الخاص ويتجه إلى منبر السعادة حارسا وشخصا آخر أطلقوا عليه مؤذن المنبر، وفى الواقع إن هذا القرار كان صائبا ومناسبا لوقته.