للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان الحديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» (١)،دليلا كافيا على أن الذهاب إلى المدينة لزيارة مرقد الرسول وسيلة للقربات فإن الذين لا يعرضون سلامهم وصلاتهم على محبوب الله سبحانه وتعالى يكونون قد تركوا الأفضل ويستحقون الملامة وجديرون بالهجاء والمذمة لتركهم الواجب.

هناك اختلاف أيضا فى تعيين سبب شد الرحال لغير تلك المساجد المذكورة، قال بعض أئمة الرجال إن شد الرحال لزيارة غير هذه المساجد الثلاثة حرام، وقال بعضهم «إذا كانت الزيارة عن طريق النذر فهى حلال، ويقتضى النظر فى هذا الخصوص إلى نية المتعازم للسفر إذا كان القصد من شد الرحال أداء صلة الرحم أو الدين أو الأمور الخيرية جائز بل واجب، أما إذا لم يكن من الأمور الخيرية فحرام قطعيا (٢).

كان الحسن بن على «رضى الله عنهما» ينهى من يشاهده من الزوار بالقرب من قبر الرسول أن يقتربوا أكثر من ذلك، وكان الإمام زين العابدين يحذر من التقرب لقبر الرسول ذاكرا الحديث الذى يقول «لا تجعلوا قبرى عيدا ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغنى أينما كنت» (٣) (حديث شريف).

هذه الأقوال تحمل على عدم تجاوز حد الاعتدال، حتى أن الإمام مالك كان يكره الجلوس كثيرا بجانب مرقد السعادة، وكان الإمام زين العابدين فى أثناء زيارته لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم يقف بجانب العمود الذى يتصل بالروضة المطهرة ويصلى ويسلم وكأنه يومئ بأن المحل المذكور هو الجهة التى فيها رأس النبى الشريف، وكانت حجرات زوجات النبى المطهرات، قبل إلحاقها بالمسجد النبوى موقف زيارة


(١) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ٣/ ٤،وعزاه لأحمد والبزار والطبرانى فى الكبير والأوسط‍ من حديث ابى هريرة ورجال أحمد ثقات أثبات وكذلك روى من حديث أبى سعيد الخدرى، ومن حديث على، وابن عمر، وأبى الجعد الضمرى.
(٢) انظر فى المسألة: إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركش ص ٢٦٧ وما بعدها.
(٣) رواه أبو يعلى وفيه حفص بن إبراهيم الجعفرى ذكره ابن أبى حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وبقية رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>