مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي نِعَمَ الِابْنُ أَنْتَ - إِلَى أن قال - ثم عرج إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ * وَكَذَا ذَكَرَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ) فَدَلَّ عَلَى التَّفَاصُلِ بَيْنَهَا لِقَوْلِهِ ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى أَتَيْنَا السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا (الْحَدِيثِ) * وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَاللَّهُ أعلم.
وقد حكى ابن حزم وابن المنير وَأَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العلماء الإجماع على أن السموات كرة مُسْتَدِيرَةٌ * وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كُلٌّ فِي فلك يسبحون.
قَالَ الْحَسَنُ يَدُورُونَ، وَقَالَ ابْنُ عبَّاس فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ.
قَالُوا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ تَطْلُعُ فِي آخِرِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ كما قال أمية ابن أَبِي الصَّلْتِ.
وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ * حمراء مطلع لونها متورد * تأبى فلا تبدو لَنَا فِي رِسْلِهَا * إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا
تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا.
يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: ٣٨] .
هَذَا لَفْظُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَرَوَاهُ فِي التَّفْسِيرِ * وَفِي التَّوْحِيدِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ أَيْضًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طريق الحكم بن عتبة كُلُّهُمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ * إِذَا عُلِمَ هَذَا فإنَّه حَدِيثٌ لَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ استدارة الأفلاك التي هي السموات عَلَى أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى كُرِّيَّةِ الْعَرْشِ كَمَا زَعَمَهُ زَاعِمُونَ.
قَدْ أَبْطَلْنَا قَوْلَهُمْ فِيمَا سَلَفَ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَصْعَدُ إلى فوق السموات مِنْ جِهَتِنَا حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ بَلْ هِيَ تَغْرُبُ عَنْ أَعْيُنِنَا وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ فِي فَلَكِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعُ فِيمَا قاله غير واحد من علماء التفسير.
وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَنْفِيهِ بَلْ فِي الْحِسِّ وَهُوَ الْكُسُوفَاتُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَقْتَضِيهِ فَإِذَا ذَهَبَتْ فِيهِ حَتَّى تَتَوَسَّطَهُ وَهُوَ وَقْتُ نِصْفِ اللَّيْلِ مَثَلًا فِي اعْتِدَالِ الزَّمَانِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَ الْقُطْبَيْنِ الْجَنُوبِيِّ وَالشَّمَالِيِّ فَإِنَّهَا تَكُونُ أَبْعَدَ مَا يَكُونُ مِنَ الْعَرْشِ لِأَنَّهُ مُقَبَّبٌ مِنْ جِهَةِ وَجْهِ الْعَالَمِ وَهَذَا مَحَلُّ سُجُودِهَا كَمَا يُنَاسِبُهَا كَمَا أَنَّهَا أَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنَ الْعَرْشِ وَقْتَ الزَّوَالِ مِنْ جِهَتِنَا فَإِذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ سُجُودِهَا اسْتَأْذَنَتِ الرَّبَّ جَلَّ جَلَالُهُ فِي طُلُوعِهَا مِنَ الشَّرْقِ فَيُؤْذَنُ لَهَا فَتَبْدُو مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كَارِهَةٌ لِعُصَاةِ بَنِي آدَمَ أَنْ تَطْلُعَ عَلَيْهِمْ ولهذا قال أمية.
تأبى فلا تبدو لَنَا فِي رِسْلِهَا * إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ فَإِذَا كان الوقت الذي يريد الله طلوعها مِنْ جِهَةِ مَغْرِبِهَا تَسْجُدُ عَلَى عَادَتِهَا وَتَسْتَأْذِنُ في