للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها أَهْلُهَا فَكَانَ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدين ابن دَقِيقِ الْعِيدِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِيهَا قَدِمَ رسول من ملك التتار تولى بن جنكيزخان إِلَى مُلُوكِ الْإِسْلَامِ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَخْرِيبِ أَسْوَارِ بُلْدَانِهِمْ.

وَعُنْوَانُ الْكِتَابِ: مِنْ نَائِبِ رَبِّ السَّمَاءِ مَاسِحِ وَجْهِ الْأَرْضِ مَلِكِ الشَّرْقِ والغرب قان قان.

وَكَانَ الْكِتَابُ مَعَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ لَطِيفِ الْأَخْلَاقِ، فَأَوَّلُ مَا وَرَدَ عَلَى شهاب الدين غازي بن العادل بميا فارقين، وَقَدْ أَخْبَرَ بِعَجَائِبَ فِي أَرْضِهِمْ غَرِيبَةٍ، مِنْهَا أَنَّ فِي الْبِلَادِ الْمُتَاخِمَةِ لِلسَّدِّ أُنَاسًا أَعْيُنُهُمْ فِي مَنَاكِبِهِمْ، وَأَفْوَاهُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، يَأْكُلُونَ السَّمَكَ وَإِذَا رَأَوْا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ هَرَبُوا.

وَذَكَرَ أن عندهم بزراً ينبت الْغَنَمُ يَعِيشُ الْخَرُوفُ مِنْهَا شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةً، وَلَا يَتَنَاسَلُ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ بِمَازَنْدَرَانَ عَيْنًا يَطْلُعُ فِيهَا كُلَّ ثَلَاثِينَ سَنَةً خَشَبَةٌ عَظِيمَةٌ مِثْلُ الْمَنَارَةِ، فَتُقِيمُ طُولَ النَّهَارِ فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ غابت فِي الْعَيْنِ فَلَا تُرَى إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ احْتَالَ لِيُمْسِكُوهَا بِسَلَاسِلَ رُبِطَتْ فِيهَا فَغَارَتْ وَقَطَعَتْ تِلْكَ السَّلَاسِلَ، ثُمَّ كَانَتْ إِذَا طَلَعَتْ تُرَى فِيهَا تِلْكَ السَّلَاسِلُ وَهِيَ إِلَى الْآنَ كَذَلِكَ.

قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَفِيهَا قَلَّتِ الْمِيَاهُ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَفَسَدَ كثير من الزرع والثمار وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ: مُحْيِي الدين بن عربي صاحب " الفصوص " وغيره، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَبِيٍّ أبو عبد الله الطائي الْأَنْدَلُسِيُّ (١) ، طَافَ الْبِلَادَ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ مُدَّةً، وَصَنَّفَ فيها كتابه المسمى ب " الفتوحات الْمَكِّيَّةِ " فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مُجَلَّدًا، فِيهَا مَا يُعْقَلُ وَمَا لَا يُعْقَلُ، وَمَا يُنْكَرُ وَمَا لَا يُنْكَرُ، وَمَا يُعْرَفُ وَمَا لَا يُعْرَفُ،

وله كتابه المسمى بفصوص الْحِكَمِ فِيهِ أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ ظَاهِرُهَا كُفْرٌ صَرِيحٌ، وله كتاب العبادلة وَدِيوَانُ شِعْرٍ رَائِقٍ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ أُخَرُ كَثِيرَةٌ جداً، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً طَوِيلَةً قَبْلَ وَفَاتِهِ، وَكَانَ بَنُو الزَّكِيِّ لَهُمْ عَلَيْهِ اشْتِمَالٌ وَبِهِ احْتِفَالٌ وَلِجَمِيعِ مَا يَقُولُهُ احْتِمَالٌ.

قَالَ أَبُو شَامَةَ: وله تصانيف كثيرة وعليه التصنيف سهل، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ عَلَى طَرِيقِ التَّصَوُّفِ، وَكَانَتْ لَهُ جَنَازَةٌ حَسَنَةٌ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الزَّكِيِّ بِقَاسِيُونَ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ فِي الثَّانِي (٢) وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

وَقَالَ ابْنُ السِّبْطِ: كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ يَحْفَظُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَيَقُولُ إِنَّهُ يَعْرِفُ الْكِيمْيَاءَ بِطَرِيقِ الْمُنَازَلَةِ لَا بِطْرِيقِ الْكَسْبِ، وَكَانَ فَاضِلًا فِي عِلْمِ التَّصَوُّفِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ كثيرة.


(١) ولد في شهر رمضان سنة ٥٦٠ بمرسية من الاندلس له مصنفات كثيرة أوردها صاحب الوافي (٤ / ١٧٦) .
وله ترجمة طويلة في الشذرات ٥ / ١٩٠ وما بعدها.
(٢) في الوافي: الثامن والعشرين.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>