للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها شهرا فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة فوادعهم، فقال لي علي بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر - من بني مدلج يعملون في عين لهم - ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة فغشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء (١) من الأرض فنمنا فيه. فوالله ما أهبنا إلا ورسول الله يحركنا بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله لعلي: " يا أبا تراب " لما عليه من التراب، فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا بلى يا رسول الله فقال: " أحيمر (٢) ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه - ووضع رسول الله يده على رأسه - حتى تبل منها هذه - ووضع يده على لحيته - " وهذا حديث غريب من هذا الوجه له شاهد من وجه آخر في تسمية علي أبا تراب كما في صحيح البخاري: أن عليا خرج مغاضبا فاطمة، فجاء المسجد فنام فيه فدخل رسول الله فسألها عنه فقالت خرج مغاضبا فجاء إلى المسجد فأيقظه وجعل يمسح التراب عنه ويقول: " قم أبا تراب قم أبا تراب " (٣).

غزوة بدر - الأولى (٤)

قال ابن إسحاق: ثم لم يقم رسول الله بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليال قلائل لا تبلغ العشرة، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر، وهي غزوة بدر الأولى، وفاته كرز فلم يدركه. وقال الواقدي: وكان لؤلؤه مع علي بن أبي طالب. قال ابن هشام والواقدي: وكان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة.

قال ابن إسحاق: فرجع رسول الله فأقام جمادى ورجبا وشعبان وقد كان بعث بين يدي ذلك سعدا في ثمانية رهط من المهاجرين، فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز. قال ابن هشام: ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة ثم رجع ولم يلق كيدا. هكذا ذكره


(١) دقعاء: التراب اللين.
(٢) أحيمر ثمود: هو الذي عقر ناقة صالح واسمه قدار بن سالف وقد تقدم.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه: في كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد عن سهل بن سعد. وأخرجه أيضا في كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب علي - عن سهل بن سعد. وأخرجه في كتاب الأدب باب التكني بأبي تراب.
(٤) قال الواقدي: غزوة بدر الأولى وقعت قبل غزوة العشيرة، وكانت في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا، وأما غزوة العشيرة فكانت في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا.
(أنظر مغازي الواقدي ١/ ١٢ - ابن سعد ٢/ ٩ - الطبري ٢/ ٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>