للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَحْيَا نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ وَفْدِهِ حِينَ فُعِلَ بِهِمْ مَا فُعِلَ فقال: (رَبِّ لَوْ شِئْتَ لاهلكتهم مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا) وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ اللَّهُ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به.

فلذلك رجفت بهم الأرض فقال (رحمتي وسعت كل شئ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ.

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) فَقَالَ يَا رَبِّ سَأَلْتُكَ التَّوْبَةَ لِقَوْمِي، فَقُلْتَ: إن رحمتي كَتَبْتَهَا لِقَوْمٍ غَيْرِ قَوْمِي فَلَيْتَكَ أَخَّرْتَنِي حَتَّى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحوم (١) فَقَالَ لَهُ: إِنَّ تَوْبَتَهُمْ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رجل [منهم] مَنْ لَقِيَ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ، فَيَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ ولا يُبَالِي مَنْ قَتَلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ.

وَتَابَ أولئك الذين كان خفي على موسى وهرون [أمرهم] وَاطَّلَعَ اللَّهُ مِنْ ذُنُوبِهِمْ فَاعْتَرَفُوا بِهَا، وَفَعَلُوا مَا أُمِرُوا وَغَفَرَ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ.

ثُمَّ سَارَ

بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَخَذَ الْأَلْوَاحَ بَعْدَ مَا سَكَتَ عَنْهُ الْغَضَبُ، فَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنَ الْوَظَائِفِ فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بها وفتق (٢) اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَبَلَ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ، وَدَنَا مِنْهُمْ حتى خافوا أن يقع عليهم، وأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَبَلِ وَالْكِتَابُ بِأَيْدِيهِمْ وَهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ.

ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى أَتَوُا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَوَجَدُوا مَدِينَةً فِيهَا قَوْمٌ جَبَّارُونَ، خَلْقُهُمْ خَلْقٌ مُنْكَرٌ، وَذَكَرَ من ثمارهم أمراً عجباً (٣) مِنْ عِظَمِهَا، فَقَالُوا: (يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ) لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، وَلَا نَدْخُلُهَا مَا دَامُوا فِيهَا (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) .

(قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ) قِيلَ لِيَزِيدَ: هَكَذَا قَرَأَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، مِنَ الجبارين، آمنا بموسى وخرجنا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِقَوْمِنَا إِنْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تَخَافُونَ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ أَجْسَامِهِمْ وَعَدَدِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا قُلُوبَ لَهُمْ وَلَا مَنَعَةَ عِنْدَهُمْ، فَادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ويقول أناس: إنهم من قوم موسى.

فقال الذين يخافون من بني إِسْرَائِيلَ (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إنا ههنا قَاعِدُونَ) فَأَغْضَبُوا مُوسَى، فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ فَاسِقِينَ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَإِسَاءَتِهِمْ، حَتَّى كَانَ يَوْمَئِذٍ فَاسْتَجَابَ الله له، وسماهم كما سماهم [موسى] فَاسِقِينَ فَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ يُصْبِحُونَ كُلَّ يَوْمٍ فَيَسِيرُونَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَابًا لَا تَبْلَى وَلَا تَتَّسِخُ وَجَعَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ حَجَرًا مُرَبَّعًا، وَأَمَرَ مُوسَى فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ وَأَعْلَمَ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمُ الَّتِي يشربون منها، فلا يرتحلون من محله - إلا وجدوا


(١) في تفسير ابن كثير: المرحومة.
(٢) في نسخة: ونتق.
(٣) في تفسير ابن كثير: عجيبا.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>