وكان يتقوت بالنبات وغيره، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَأْكُلُ الْعَدَسَ وَيَتَحَلَّى بِالدِّبْسِ وبالتين، وكان لا يَأْكُلُ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ، وَيَقُولُ: أَكْلُ الْأَعْمَى عَوْرَةٌ، وكان في غاية الذكاء المفرط، وعلى ما ذكروه، وأما ما ينقلونه عنه من الاشياءة المكذوبة المختلقة مِنْ أَنَّهُ وُضِعَ تَحْتَ سَرِيرِهِ دِرْهَمٌ فَقَالَ: إِمَّا إنَّ تَكُونَ السَّمَاءُ قَدِ انْخَفَضَتْ مِقْدَارَ درهم أو الأرض قد ارتفعت مقدار درهم، أي أنه شعر بارتفاع سريره عن الأرض مقدار ذلك الدرهم الذي وضع تحته، فهذا لا أصل له.
وكذلك يذكرون عنه أَنَّهُ مَرَّ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِمَكَانٍ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَمَا هنا شجرة؟ قالوا: لا، فنظروا فإذا أصل شجرة كانت هنا في الموضع الذي طأطأ رأسه فيه، وقد قطعت، وكان قد اجتاز بها قديماً مَرَّةً فَأَمَرَهُ مَنْ كَانَ مَعَهُ بِمُطَأْطَأَةِ رَأْسِهِ لمّا جازوا تحتها، فلما مر بها المرة الثانية طأطأ رأسه خوفاً من أن يصيبه شئ منها، فهذا لا يصح.
وقد كَانَ ذَكِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ زَكِيًّا، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا فِي الشِّعْرِ، وَفِي بَعْضِ أَشْعَارِهِ ما يدل على زندقته، وانحلاله من الدين، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يعتذر عنه ويقول: إنه إنما كان يقول ذلك مجوناً ولعباً، ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، وقد كان باطنه مسلماً.
قال ابن عقيل لما بلغه: وما الذي ألجأه أَنْ يَقُولَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَا يُكَفِّرُهُ بِهِ النَّاس؟ قَالَ: وَالْمُنَافِقُونَ مَعَ قِلَّةِ عَقْلِهِمْ وعلمهم أجود سياسة منه، لأنهم حافظوا على قبائحهم في الدنيا وستروها، وهذا أظهر الكفر الذي تسلط عليه به الناس وزندقوه، والله يعلم أن ظاهره كباطنه.