فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين، فسألاه، فقال النبي ﷺ لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة، أو قال: لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا معشر يهود عليكم خاصة أو لا تعدوا في السبت، قال: فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تتبعاني؟ قالا: إن داود ﵇ دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود (١). وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم والبيهقي من طرق عن شعبة به، وقال الترمذي: حسن صحيح … قلت: وفي رجاله من تكلم فيه، وكأنه اشتبه على الراوي التسع الآيات بالعشر الكلمات، وذلك أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعدما خرجوا من ديار مصر وشعب بني إسرائيل حول الطور حضور، وهارون ومن معه وقوف على الطور أيضا، وحينئذ كلم الله موسى تكليما آمرا له بهذه العشر كلمات، وقد فسرت في هذا الحديث، وأما التسع الآيات فتلك دلائل وخوارق عادات أيد بها موسى ﵇، وأظهرها الله على يديه بديار مصر، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والجدب ونقص الثمرات، وقد بسطت القول على ذلك في التفسير بما فيه الكفاية. والله أعلم.
[فصل]
وقد ذكرنا في التفسير عند قوله تعالى في سورة البقرة … (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين … ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) … [البقرة: ٩٤ - ٩٥] ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله: … (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين … ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) … [الجمعة: ٦ - ٧] وذكرنا أقوال المفسرين في ذلك وأن الصواب أنه دعاهم إلى المباهلة وأن يدعو بالموت على المبطل منهم أو المسلمين، فنكلوا عن ذلك لعلمهم بظلم أنفسهم، وأن الدعوة تنقلب عليهم، ويعود وبالها إليهم، وهكذا دعا النصارى من أهل نجران حين حاجوه في عيسى بن مريم، فأمره الله أن يدعوهم إلى المباهلة في قوله … (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) … [آل عمران: ٦١] وهكذا دعا على المشركين على وجه المباهلة في قوله … (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) … [مريم: ٧٥] وقد بسطنا القول في ذلك عند هذه الآيات في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
(١) أخرجه أحمد في مسنده ج ٤/ ٢٣٩ - ٢٤٠ - ٣٣٩، ٥/ ٣١٣ والترمذي في الاستئذان حديث ٢٧٣٣ وأخرجه ابن ماجة في الأدب عن أبي بكر بن أبي شيبة ونقله البيهقي في الدلائل ٦/ ٢٦٨.