للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعائبها لما يريد [به] مِنْ كَرَامَتِهِ حَتَّى بَلَغَ إِنَّ كَانَ رَجُلَاً، أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا وَأَمَانَةً، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَذَى.

مَا رُئِيَ مُلَاحِيًا وَلَا مُمَارِيًا أَحَدًا، حَتَّى سَمَّاهُ قَوْمُهُ الْأَمِينَ.

لِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ وَيَنْصُرُهُ وَيُعَضِّدُهُ حَتَّى مَاتَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا خالد بن معدان (١) حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ - أَوْ أَبَا طَالِبٍ شَكَّ خَالِدٌ - قَالَ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ عَطَفَ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَكَانَ لَا يُسَافِرُ سَفَرًا إِلَّا كَانَ مَعَهُ فِيهِ، وَإِنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الشَّامِ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَتَاهُ فِيهِ رَاهِبٌ.

فَقَالَ إنَّ فِيكُمْ رَجُلًا صَالِحًا: ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَبُو هَذَا الْغُلَامِ؟ قَالَ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا وَلِيُّهُ - أَوْ قِيلَ هَذَا وَلِيُّهُ - قَالَ احْتَفِظْ بِهَذَا الْغُلَامِ وَلَا تَذْهَبْ بِهِ إِلَى الشَّام، إِنَّ الْيَهُودَ حسَّد، وَإِنِّي أَخْشَاهُمْ عَلَيْهِ.

قَالَ: مَا أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَقُولُهُ.

فَرَدَّهُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أستودعك محمد! ثم إنه مات.

قصة بحيرا حَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ سِيَرِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ بَحِيرَى كان حبراً من أحبار يهود.

قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ كَانَ رَاهِبًا نَصْرَانِيًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَنِ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّهُ كَانَ مِنَ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ اسْمُهُ جرجيس (٢) .

وَفِي كِتَابِ الْمَعَارِفِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ سُمِعَ هَاتِفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ يَهْتِفُ وَيَقُولُ: أَلَا إِنَّ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ، بَحِيرَى، ورئاب بن البراء الشَّنِّيُّ، وَالثَّالِثُ الْمُنْتَظَرُ.

وَكَانَ الثَّالِثُ الْمُنْتَظَرُ هُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَكَانَ قَبْرُ رِئَابٍ الشَّنِّيُّ وَقَبْرُ وَلَدِهِ من بعده لا يزال يُرى عندهما طَشٌّ، وَهُوَ الْمَطَرُ الْخَفِيفُ.

فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ، وَحِيَاطَتِهِ، وَكَيْفَ كَانَ يَتِيمًا فَآوَاهُ وَعَائِلًا فَأَغْنَاهُ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَشَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْلَؤُهُ اللَّهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ أَقْذَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، لِمَا يُرِيدُ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرِسَالَتِهِ، حَتَّى بَلَغَ إِنَّ كَانَ رَجُلًا، أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً، وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَكْرَمَهُمْ حَسَبًا، وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا، وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَخْلَاقِ الَّتِي تُدَنِّسُ الرِّجَالَ تَنَزُّهًا وَتَكَرُّمًا، حَتَّى مَا اسْمُهُ فِي قَوْمِهِ إِلَّا الْأَمِينُ، لِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - يُحَدِّثُ عَمَّا كَانَ اللَّهُ يَحْفَظُهُ بِهِ فِي صِغَرِهِ وَأَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِ أَنَّهُ قَالَ: " لِقَدْ رَأَيْتُنِي فِي غِلْمَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَنْقُلُ الْحِجَارَةَ لِبَعْضِ مَا


(١) في ابن سعد: خالد بن خداش.
ج ١ / ١٢٠ - ١٢١.
(٢) في المسعودي سرجس وكان مؤمنا على دين المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>