للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى يَدِهِ، وَقِيلَ: إنَّما قَتَلَهُ سَلَمَةُ بْنُ صُبَيْحٍ ابْنُ عمِّ أَبِي مَرْيَمَ هَذَا، ورجَّحه أَبُو عُمَرَ وَقَالَ: لأنَّ عُمَرَ اسْتَقْضَى أَبَا مَرْيَمَ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ * وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ زَيْدِ بْنِ الخطَّاب: سَبَقَنِي إِلَى الْحُسْنَيَيْنِ أَسْلَمَ قَبْلِي، وَاسْتُشْهِدَ قَبْلِي، وَقَالَ لِمُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ حِينَ جَعَلَ يَرْثِي أَخَاهُ مَالِكًا بِتِلْكَ الْأَبْيَاتِ المتقدِّم ذِكْرُهَا: لَوْ كُنْتُ أُحْسِنُ الشِّعر لَقُلْتُ كَمَا قُلْتَ، فَقَالَ لَهُ مُتَمِّمٌ: لَوْ أنَّ أَخِي ذَهَبَ عَلَى مَا ذَهَبَ عَلَيْهِ أَخُوكَ مَا حَزِنْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا عزَّاني

أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا عزَّيتني بِهِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ مَا هبَّت الصَّبا إِلَّا ذَكَّرَتْنِي زَيْدَ بْنَ الخطَّاب، رضي الله عنه.

ومنهم سالم بن عبيد ويقال: ابن يعمل (١) مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وإنَّما كان معتقاً لزوجته ثبيتة بنت يعاد (٢) وقد تبنَّاه أبو حنيفة وزوَّجه بِابْنَةِ أَخِيهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عتبة، فلمَّا أنزل الله * (ادعوهم لآبائهم) * جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ سالماً يدخل علي وأنا غفل، فَأَمَرَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ فَأَرْضَعَتْهُ فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ، أَسَلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يصلِّي بِمَنْ بِهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِكَثْرَةِ حَفِظِهِ الْقُرْآنَ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسقرئوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ (٣) ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لما احتضر: لو كان سالما حَيًّا لَمَا جَعَلْتُهَا شُورَى، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَعْنَاهُ أنَّه كَانَ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ الْخِلَافَةَ.

ولمَّا أَخَذَ الرَّاية يَوْمَ الْيَمَامَةِ بَعْدَ مَقْتَلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ الْمُهَاجِرُونَ: أَتَخْشَى أَنْ نُؤْتَى مِنْ قِبَلِكَ؟ فَقَالَ: بِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا إِذًا.

انْقَطَعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فَأَخَذَهَا بِيَسَارِهِ، فَقُطِعَتْ فَاحْتَضَنَهَا وَهُوَ يَقُولُ * (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسل) * * (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) * فلمَّا صُرِعَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا فَعَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ؟ قَالُوا: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ قَالُوا: قُتِلَ، قَالَ: فَأَضْجِعُونِي بَيْنَهُمَا.

وَقَدْ بَعَثَ عمر بميراثه إلى مولاته التي أعتقته " بثينة " فردَّته وَقَالَتْ: إنَّما أَعْتَقْتُهُ سَائِبَةً، فَجَعَلَهُ عُمَرُ في بيت المال (٤) .


(١) قال ابن عبد البر: ابن يعقل.
(٢) قال ابن حبان يقال لها ليلى ويقال: بثينة بنت يعار وقيل سلمى بنت حطمة.
وقال في الاستيعاب: كان عبدا لثبيتة بنت يعار بن زيد ين عبيد بن زيد الأنصاري من الاوس.
(٣) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي من طريق مسروق عن عبد الله بن عمرو رفعه: خذوا القرآن من أربعة ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل.
(٤) قال ابن سعد: أن عمرا أعطى ميراثه لامه.
وقال في الاستيعاب: أن وفاته كانت في سنة اثنتي عشرة يوم اليمامة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>