للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمُوتُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ * وَلَيْسَ يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ فَعَثْرَتُهُ مِنْ فِيهِ تَرْمِي بِرَأْسِهِ * وَعَثْرَتُهُ فِي الرِّجْلِ تَبْرَأُ عَلَى مهل وذكر ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ الْمُعْتَزَّ لَمَّا حَذَقَ الْقُرْآنَ في حياة أبيه المتوكل اجتمع أبوه والأمراء لذلك وكذلك الْكُبَرَاءُ وَالرُّؤَسَاءُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، وَاخْتَلَفُوا لِذَلِكَ أَيَّامًا عَدِيدَةً، وَجَرَتْ أَحْوَالٌ عَظِيمَةٌ.

وَلَمَّا جَلَسَ وَهُوَ صَبِيٌّ عَلَى الْمِنْبَرِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِيهِ بالخلافة وخطب الناس نثرت الجواهر والذهب والدراهم على الخواص والعوام بدار الخلافة، وكان قيمة ما نثر من الجواهر يُسَاوِي مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَمِثْلَهَا ذَهَبًا، وَأَلْفَ ألف درهم غير ماكان من خلغ وَأَسْمِطَةٍ وَأَقْمِشَةٍ مِمَّا يَفُوتُ الْحَصْرَ، وَكَانَ وَقْتًا مشهوداً لم يكن سروراً بِدَارِ الْخِلَافَةِ أَبْهَجَ مِنْهُ وَلَا أَحْسَنَ.

وَخَلَعَ الخليفة على أم ولده المعتز قَبِيحَةُ خِلَعًا سَنِيَّةً، وَأَعْطَاهَا وَأَجْزَلَ لَهَا الْعَطَاءَ، وكذلك خلع على مؤدب ولده وهو محمد بن عمران، أعطاه من الجوهر والذهب والفضة والقماش شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

خلافة المهتدي بالله أبي محمد عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون، كانت بَيْعَتُهُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَّيْلَةِ بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ خَلْعِ الْمُعْتَزِّ نَفْسَهُ بين يديه وإشهاده عليه بأنه عاجز عن القيام بها، وَأَنَّهُ قَدْ رَغِبَ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِأَعْبَائِهَا.

وهو مُحَمَّدِ بْنِ الْوَاثِقِ بِاللَّهِ، ثمَّ مدَّ يَدَهُ فَبَايَعَهُ قَبْلَ النَّاس كلَّهم، ثمَّ بَايَعَهُ الْخَاصَّةُ ثم كانت بيعة العامة على المنبر، وكتب على المعتز كتاباً (١) أشهد فِيهِ بِالْخَلْعِ وَالْعَجْزِ وَالْمُبَايَعَةِ لِلْمُهْتَدِي.

وَفِي آخِرِ رجب وقعت في بغداد فِتْنَةٌ هَائِلَةٌ، وَثَبَتَ فِيهَا الْعَامَّةُ عَلَى نَائِبِهَا سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ وَدَعَوْا إلى بيعة أبي أحمد بن الْمُتَوَكِّلِ أَخِي الْمُعْتَزِّ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِ أَهْلِ بَغْدَادَ بِمَا وَقَعَ بِسَامَرَّا مِنْ بَيْعَةِ الْمُهْتَدِي، وَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَغَرِقَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كثير، ثم لما بلغهم بيعة المهتدي سكنوا، - وإنما بلغتهم في سابع شعبان - فاستقرت الأمور واستقر المهتدي في الخلافة.

وَفِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ عِنْدَ قَبِيحَةَ أُمِّ الْمُعْتَزِّ أَمْوَالٌ عَظِيمَةٌ، وَجَوَاهِرُ نَفِيسَةٌ.

كَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ مَا يُقَارِبُ أَلْفَيْ

أَلْفِ دِينَارٍ، وَمِنَ الزُّمُرُّدِ الَّذِي لَمْ يُرَ مِثْلُهُ مِقْدَارُ مَكُّوكٍ، وَمِنَ الْحَبِّ الْكِبَارِ مَكُّوكٌ (٢) ، وَكَيْلَجَةُ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ مِمَّا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ أيضاً.

وقد كان الأمراء طَلَبُوا مِنَ ابْنِهَا الْمُعْتَزِّ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ تُصْرَفُ فِي أَرْزَاقِهِمْ وَضَمِنُوا لَهُ أَنْ يَقْتُلُوا صَالِحَ بْنَ وَصِيفٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ ذلك شئ، فطلب من أمه قبيحة هذه قبحها الله فامتنعت أن تقرضه ذلك، فأظهرت الفقر والشح، وأنه لا شئ عِنْدَهَا.

ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ ابْنُهَا وَكَانَ مَا كَانَ، ظَهَرَ عِنْدَهَا مِنَ الْأَمْوَالِ مَا ذَكَرْنَا، وكان عندها من الذهب والفضة والآنية شئ كثير، وَقَدْ كَانَ لَهَا مِنَ الْغَلَّاتِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَعْدِلُ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مُخْتَفِيَةً عِنْدَ صَالِحِ بن وصيف عدو ولدها، ثم تزوجت به وكانت تَدْعُو عَلَيْهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَخْزِ صَالِحَ بْنَ وصيف


(١) نسخة الكتاب في الطبري ١١ / ١٦٢.
(٢) في الطبري: نصف مكوك (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>