للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير]

قال ابن جرير: وفي هذه السنة هدم ابن الزبير الكعبة، وذلك لأنه مال جدارها من رمي المنجنيق فهدم الجدار حتى وصل إلى أساس إبراهيم، وكان الناس يطوفون ويصلون من وراء ذلك، وجعل الحجر الأسود في تابوت في سرق من حرير، وادخر ما كان في الكعبة من حلي وثياب وطيب، عند الخزان حتى أعاد ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله يريد أن يبنيها عليه من الشكل، وذلك كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن، من طرق عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله قال: " لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر، فإن قومك قصرت بهم النفقة، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر، ولألصقت بابها بالأرض فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا " (١). فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين عن رسول الله ، فجزاه الله خيرا. ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة ثلاث وسبعين كما سيأتي، هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما كان أولا، وأدخل الحجارة التي هدمها في جوف الكعبة فرصها فيه، فارتفع الباب وسد الغربي، وتلك آثاره إلى الآن، وذلك بأمر عبد الملك بن مروان في ذلك، ولم يكن بلغه الحديث، فلما بلغه الحديث قال: وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك. وقد هم ابن المنصور المهدي أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير، واستشار الامام مالك بن أنس في ذلك، فقال: إني أكره أن يتخذها الملوك لعبة، - يعني يتلاعبون في بنائها بحسب آرائهم - فهذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأيا آخر والله أعلم.

قال ابن جرير: وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان عامله على المدينة أخوه عبيد الله (٢)، وعلى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي، وعلى قضائها سعيد بن المرزبان (٣)، وامتنع شريح أن يحكم في زمان الفتنة، وعلى البصرة عمر بن معمر التيمي، وعلى قضائها هشام بن هبيرة، وعلى خراسان عبد الله بن خازم، وكان في أواخر هذه السنة وقعة مرج راهط كما قدمنا، وقد استقر ملك الشام لمروان بن الحكم، وذلك بعد ظفره بالضحاك بن قيس وقتله له في الوقعة، وقيل إن فيها دخل مروان مصر وأخذها من نائبها الذي من جهة ابن الزبير، وهو عبد الرحمن بن جحدر (٤). واستقرت يد مروان على الشام ومصر وأعمالها والله أعلم.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في الطبري ٧/ ٦٦ والكامل ٤/ ١٧٤: عبيدة.
(٣) في الطبري: سعد بن نمران، وفي الكامل: هشام بن هبيرة.
(٤) تقدم: جحدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>