للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَوْسَعَ الرَّحْمَةِ وَأَفْسَحَهَا، وَأَعْظَمَ الله أجرك وأحسن عزاك، وَعَوَّضَكَ مِنْ مُصَابِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبَى.

فَلَمَّا نَهَضَ يَزِيدُ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا ذَهَبَ بَنُو حرب ذهب علماء النَّاسِ، ثُمَّ أَنْشَدَ مُتَمَثِّلًا: مَغَاضٍ عَنِ الْعَوْرَاءِ لا ينطقوا بها * وأصل وِرَاثَاتِ الْحُلُومِ الْأَوَائِلِ وَقَدْ كَانَ يَزِيدُ أَوَّلُ من غزى مَدِينَةَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ.

وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: سَنَةَ خَمْسِينَ.

ثُمَّ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي تلك السنة بعد مرجعه من هذه الغزوة من أرض الروم.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ ".

وَهُوَ الْجَيْشُ الثاني الذي رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه عند أم حرام فَقَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: " أنت من الأوَّلين " (١) .

يعني جيش معاوية حين غزا قبرص، فَفَتَحَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَيَّامَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَتْ مَعَهُمْ أُمُّ حَرَامٍ فَمَاتَتَ هنالك بقبرص، ثُمَّ كَانَ أَمِيرَ الْجَيْشِ الثَّانِي ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ تُدْرِكْ أُمُّ حَرَامٍ جَيْشَ يزيد هذا.

وهذا من أعظم دلائل النبوة.

وقد أورد الحافظ ابن عساكر ههنا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ مُحَاضِرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ

إبراهيم بن عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: " خَيْرُ النَّاس قَرْنِي ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " (٢) .

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَفِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

ثمَّ أَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: الْقَرْنُ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ، فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرن وكان آخِرَهُ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ أَبُو بكر بن عياش: حَجَّ بِالنَّاسِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا رشد بن عمرو بن الحارث، عن أبي بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِيَزِيدَ: كَيْفَ تُرَاكَ فَاعِلًا إِنْ وُلِّيتَ؟ قَالَ: يُمْتِعُ الله بك يا أمير المؤمنين، قَالَ لَتُخْبِرَنِّي: قَالَ، كُنْتُ وَاللَّهِ يَا أَبَهْ عَامِلًا فِيهِمْ عَمَلَ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ.

فَقَالَ معاوية: سبحان الله يا بني والله لَقَدْ جَهَدْتُ عَلَى سِيرَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فما أطقتها فكيف بك وسيرة عمر؟.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَى سَبْرَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى.

قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ وَهُوَ يُوصِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: يَا يَزِيدُ! ! اتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ وَطَّأْتُ لَكَ هَذَا الْأَمْرَ،


(١) الحديث أخرجه البخاريّ عن يحيى بن يحيى في الجهاد والسير (٣) باب.
وأخرجه مسلم في الامارة (٤٩) باب فضل الغزو في البحر.
(٢) أخرجه مسلم عن عبد الرحمن بن بشر عن عمران بن حصين في فضائل الصحابة (٥٢) باب.
ح (٢١٤) ص (٤ / ١٩٦٤) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>