بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانَ النَّاسُ يَتَحَارَسُونَ بِالْبُوقَاتِ وَالطُّبُولِ، وَكَثُرَتِ الْفِتَنُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
وفي رمضان منها كَانَتْ وَفَاةُ أَبِي طَاهِرٍ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْحَسَنِ الْجَنَّابِيِّ الْهَجَرِيِّ الْقِرْمِطِيِّ، رَئِيسِ الْقَرَامِطَةِ، قبَّحه اللَّهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحَجِيجَ حَوْلَ الكعبة وفي جوفها، وسلبها كسوتها وأخذ بابها وحليتها، واقتلع الحجر الأسود من موضعه وأخذه معه إلى بلده هجر، فمكث عنده من سنة تسع عشرة وثلثمائة ثم مات قبحه الله وهو عندهم لم يردوه إلى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة كما سيأتي.
ولما مات هذا القرمطي قام بالأمر من بعده إِخْوَتُهُ الثَّلَاثَةُ، وَهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْفَضْلُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ سَعِيدٌ، وَأَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بَنُو أَبِي سعيد الجنابي، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ ضَعِيفَ الْبَدَنِ مُقْبِلًا عَلَى قِرَاءَةِ الْكُتُبِ، وَكَانَ أَبُو يَعْقُوبَ مُقْبِلًا عَلَى اللهو واللعب، ومع هذا كانت كلمة الثلاثة واحدة لا يختلفون في شئ، وَكَانَ لَهُمْ سَبْعَةٌ مِنَ الْوُزَرَاءِ مُتَّفِقُونَ أَيْضًا.
وَفِي شَوَّالٍ مِنْهَا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البريدي فاستراح المسلمون من هذا كما استراحوا من الآخر.
وفيها توفي مِنَ الْأَعْيَانِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ الْحَافِظُ.
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُقْدَةَ، لقبوه بِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَعْقِيدِهِ فِي التَّصْرِيفِ وَالنَّحْوِ، وكان أيضاً عقدة في الورع والنسك، وكان مِنَ الحفَّاظ الْكِبَارِ، سَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ وَرَحَلَ فَسَمِعَ مِنْ خَلَائِقَ مِنَ الْمَشَايِخِ، وَسَمِعَ مِنْهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ الْجِعَابِيِّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ المظفر وابن
شاهين.
قال الدارقطني: أجمع أهل الكوفة على أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِلَى زَمَانِ ابْنِ عُقْدَةَ أَحْفَظُ مِنْهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ فِي فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ، بِمَا فِيهَا مِنَ الصِّحَاحِ وَالضِّعَافِ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ سِتَّمِائَةِ حِمْلِ جَمَلٍ، وَكَانَ يُنْسَبُ مَعَ هذا كله إلى التشيع والمغالاة.
قال الدارقطني: كَانَ رَجُلَ سُوءٍ.
وَنَسَبَهُ ابْنُ عَدِيٍّ إِلَى أنه كان يعمل النسخ لأشياخ ويأمرهم بروايتها.
قال الْخَطِيبُ: حدَّثني عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ، سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ بْنَ حَيُّوَيْهِ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ يجلس في جامع براثى معدن الرفض يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحابة - أَوْ قَالَ الشَّيخين - فَتَرَكْتُ حديثه لا أحدث عنه بشئ.
قلت: وقد حررت الكلام فيه في كتابنا التكميل بما فيه كفاية، توفي فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا.
أَحْمَدُ بْنُ عَامِرِ بن بشر بن حامد المروروذي نسبة إلى مر والروذ، والروذ اسم للنهر، وهو الفقيه الشافعي تلميذ أبي إسحاق المروذي - نسبة إلى مروذ الشاهجان، وهي أعظم من تلك البلاد، له شَرَحَ مُخْتَصَرَ الْمُزَنِيِّ، وَلَهُ كِتَابُ الْجَامِعِ فِي الْمَذْهَبِ، وَصَنَّفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَكَانَ إِمَامًا لَا يُشَقُّ غُبَارُهُ.
تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ.