عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: * (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رحمة للعالمين) * قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ تمَّت لَهُ الرَّحمة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بالله ورسله عدَّ فيمن يستحق تَعْجِيلِ مَا كَانَ يُصِيبُ الْأُمَمَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ وَالْفِتَنِ وَالْقَذْفِ وَالْخَسْفِ * وَقَالَ تَعَالَى: * (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) * [إبراهيم: ٢٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النِّعمة محمَّد، وَالَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كفراً كفَّار قُرَيْشٍ - يَعْنِي وَكَذَلِكَ كلَّ مَنْ كذَّب به من سائر الناس - كما قال: * (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) * [هود: ١٧] قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ سمَّى اللَّهُ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، فَقَالَ: * (إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُورًا) * [الإسراء: ٣] قُلْنَا: وَقَدْ سمَّى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ فَقَالَ: * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * قَالَ: وَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ: يَا نُوحُ، يَا إِبْرَاهِيمُ، يَا مُوسَى يَا دَاوُدُ، يا يحيى، يا عيسى، يا مَرْيَمَ، وَقَالَ مُخَاطِبًا لمحمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يا أيُّها المزَّمل، يَا أيُّها المدَّثر، وَذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُنْيَةِ بِصِفَةِ الشَّرف * ولمَّا نَسَبَ الْمُشْرِكُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ إِلَى السَّفَهِ وَالْجُنُونِ، كلٌّ أجاب عن نفسه، قال نوح: * (يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رب العالمين) * [الْأَعْرَافِ: ٦٧] وَكَذَا قَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ولمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: * (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا) * [الإسراء: ١٠١] ، قَالَ [مُوسَى] * (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) * [الاسراء: ١٠٢] وأمَّا محمَّد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى جَوَابَهُمْ عَنْهُ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، كَمَا قَالَ: * (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) * [الحجر: ٦ - ٧] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) * [الحجر: ٨] وقال تعالى: * (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) * [الْفُرْقَانِ: ٥] * * (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ
مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) * [الطور: ٣٠ - ٣١] وقال تعالى: * (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العالمين) * [الْحَاقَّةِ: ٤١ - ٤٣] * * (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) * [القلم: ٥١] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ للعالمين) * [القلم: ٥٢] وقال تعالى * (وَإِنَّ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم) * [الْقَلَمِ: ١ - ٤] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) * [النحل: ١٠٣] .
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْلَكَ قَوْمَهُ بالرِّيح الْعَقِيمِ، وَقَدْ كَانَتْ رِيحَ غَضَبٍ، وَنَصَرَ اللَّهُ تَعَالَى محمَّداً صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute