(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)[ق: ١٨] قال: فاللفظ كلام الآدميين. وروى غيرهما عن أحمد أنه قال: القرآن كيف ما تصرف فيه غير مخلوق، وأما أفعالنا فهي مخلوقة. قلت: وقد قرر البخاري في هذا المعنى في أفعال العباد وذكره أيضا في الصحيح، واستدل بقوله ﵇: " زينوا القرآن بأصواتكم) (١). ولهذا قال غير واحد من الأئمة: الكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري. وقد قرر البيهقي ذلك أيضا.
وروى البيهقي من طريق إسماعيل بن محمد بن إسماعيل السلمي عن أحمد أنه قال: من قال: القرآن محدث فهو كافر. ومن طريق أبي الحسن الميموني عن أحمد أنه أجاب الجهمية حين احتجوا عليه بقوله تعالى:(ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون)[الأنبياء: ٢]. قال: يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث، لا الذكر نفسه هو المحدث. وعن حنبل عن أحمد أنه قال: يحتمل أن يكون ذكر آخر غير القرآن، وهو ذكر رسول الله ﷺ أو وعظه إياهم. ثم ذكر البيهقي كلام الإمام أحمد في رؤية الله في الدار الآخرة، واحتج بحديث صهيب في الرؤية وهي زيادة، وكلامه في نفي التشبيه وترك الخوض في الكلام والتمسك بما ورد في الكتاب والسنة عن النبي ﷺ وعن أصحابه. وروى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى:(وجاء ربك)[الفجر: ٢٢] أنه جاء ثوابه. ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر بن عياش، ثنا عاصم، عن زر، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئا فهو عند الله سئ. وقد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر ﵁ إسناد صحيح. قلت: وهذا الأثر فيه حكاية إجماع عن الصحابة في تقديم الصديق. والامر كما قاله ابن مسعود، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة. وقد قال أحمد حين اجتاز بحمص وقد حمل إلى المأمون في زمن المحنة ودخل عليه عمرو بن عثمان الحمصي فقال له: ما تقول في الخلافة؟ فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ومن قدم عليا على عثمان فقد أزرى بأصحاب الشورى لأنهم قدموا عثمان ﵁.
[ورعه وتقشفه وزهده ﵀]
روى البيهقي من طريق المزني عن الشافعي أنه قال للرشيد: إن اليمن يحتاج إلى قاض، فقال له: اختر رجلا نوله إياها. فقال الشافعي لأحمد بن حنبل وهو يتردد إليه في جملة من يأخذ عنه: ألا تقبل قضاء اليمن؟ فامتنع من ذلك امتناعا شديدا وقال للشافعي: إني إنما أختلف إليك لأجل العلم
(١) أخرجه البخاري في التوحيد باب (٥٣) وأبو داود في الوتر باب (٢٠) وابن ماجة في الإقامة باب (١٧٦) والدارمي في فضائل القرآن (٣٤) والإمام أحمد في المسند ٤/ ٢٨٣، ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٠٤.