للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَتَيْتَهُ فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ أَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بالسلب للقاتل؟: بلى ولكني استكثرته، فقلت؟ فَقُلْتُ لَتَرُدَّنَّهُ إِلَيْهِ أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ.

قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ " قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ دُونَكَ يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ " يَا خَالِدُ لَا ترد عليه هل أنتم تاركوا أُمَرَائِي لَكُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ " قَالَ الْوَلِيدُ: سَأَلْتُ ثَوْرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفٍ بِنَحْوِهِ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ بِهِ نَحْوَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَنِمُوا مِنْهُمْ وَسَلَبُوا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَقَتَلُوا مِنْ أُمَرَائِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ خَالِدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْدَقَّتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُؤْتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ وَمَا ثبت في يدي إلا صفحة يَمَانِيَةٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَثْخَنُوا فِيهِمْ قَتْلًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا قَدَرُوا عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُمْ، وَهَذَا وَحْدَهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالْوَاقِدِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي فِرَارِهِمْ وَانْحِيَازِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ ظَهَرُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ انْهَزَمُوا.

قَالَ وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدٌ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ " يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (١) .

قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ قُطْبَةَ بْنَ قَتَادَةَ الْعُذْرِيَّ - وَكَانَ رَأْسَ مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ - حمل على مالك بن زافلة ويقال رافلة.

وَهُوَ أَمِيرُ أَعْرَابِ النَّصَارَى فَقَتَلَهُ وَقَالَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ: طَعَنْتُ ابْنَ رَافِلَةَ بْنِ الْإِرَاشِ * بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمَّ انْحَطَمْ ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً * فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السَّلَمْ وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمِّهِ * غَدَاةَ رَقُوقَيْنِ سَوْقَ النَّعَمْ (٢) وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ أَمِيرِ الْجَيْشِ إِذَا قُتِلَ أَنْ يَفِرَّ أصحابه، ثم إنه صرح في


(١) دلائل النبوة للبيهقي ٤ / ٣٧٥ ومغازي الواقدي ج ٢ / ٧٦٤.
قال وات في كتابه محمد في المدينة: ص ٧٩٨: وليست غزوة مؤتة الكبرى جزء من السياسة الخفية الشمالية فقط بل هي غريبة في ذاتها.
اتجهت الغزوة نحو الشمال، وعلمت عند معان أن جيشا قويا بيزنطيا يضم عددا من عرب القبائل كان بانتظارها، ومع ذلك قررت الاستمرار في السير.
ويقال أن المسلمين فروا هاربين ثم انضم إليهم ثابت بن الاقرم وخالد بن الوليد، فعادوا إلى القتال الذي انهزم فيه العدو وأركن للفرار.
فقرر خالد العودة بالجيش إلى المدينة.
ولم يتخذ خالد قرار العودة بسبب خطر العدو أو الجبن بل بسبب مدة الغياب عن القاعدة أو ربما لجهل خالد بالاسباب الحقيقية للغزو.
(٢) رقوقين: موضع، ويروى رقوفين.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>