للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين قدم عليه نيسابور في البيعة للسفاح وللمنصور بعده، فحار في أمره لذلك، فحقد عليه المنصور وأشار على السفاح بقتله، فأمره بكتم ذلك. وحين قدم أمره بقتله أيضا وحرضه على ذلك، فقال له السفاح: قد علمت بلاءه معنا وخدمته لنا فقال أبو جعفر: يا أمير المؤمنين إنما ذلك بدولتنا، والله لو أرسلت سنورا لسمعوا لها وأطاعوا، وإنك إن لم تتعش به تغدى بك هو، فقال له: كيف السبيل إلى ذلك؟ فقال: إذا دخل عليك فحادثه ثم أجئ أنا من ورائه فأضربه بالسيف. قال: كيف بمن معه؟ قال: هم أذل وأقل. فأذن له في قتله، فلما دخل أبو مسلم على السفاح ندم على ما كان أذن لأخيه فيه، فبعث إليه الخادم يقول له: إن ذاك الذي بينك وبينه ندم عليه فلا تفعله. فلما جاءه الخادم وجده محتبيا بالسيف قد تهيأ لما يريد من قتل أبي مسلم. فلما نهاه عن ذلك غضب أبو جعفر غضبا شديدا. وفيها حج بالناس أبو جعفر المنصور عن ولاية أخيه السفاح، وسار معه إلى الحجاز أبو مسلم الخراساني عن أمر الخليفة، وأذن له في الحج، فلما رجعا من الحج وكانا بذات عرق جاء الخبر إلى أبي جعفر - وكان يسير قبل أبي مسلم بمرحلة - بموت أخيه السفاح، فكتب إلى أبي مسلم أن قد حدث أمر فالعجل العجل، فلما استعلم أبو مسلم الخبر عجل السير وراءه، فلحقه إلى الكوفة. وكانت بيعة المنصور على ما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا والله أعلم.

[ترجمة أبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس]

هو عبد الله السفاح - ويقال له المرتضى، والقاسم أيضا - ابن محمد بن الإمام بن علي السجاد ابن عبد الله الحبر بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أمير المؤمنين، وأمه ريطة - ويقال رايطة - بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان (١) الحارثي، كان مولد السفاح بالحميمة من أرض الشراة من البلقاء بالشام، ونشأ بها حتى أخذ مروان أخاه إبراهيم الامام فانتقلوا إلى الكوفة. بويع له بالخلافة بعد مقتل أخيه في حياة مروان يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول بالكوفة كما تقدم. وتوفي بالجدري بالأنبار يوم الأحد الحادي عشر، وقيل الثالث عشر من ذي الحجة سن ست وثلاثين ومائة، وكان عمره ثلاثا، وقيل ثنتين، وقيل إحدى وثلاثين سنة، وقيل ثمان وعشرين سنة. قال غير واحد. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وكان أبيض جميلا طويلا، أقنى الانف، جعد الشعر، حسن اللحية، حسن الوجه، فصيح الكلام، حسن الرأي، جيد البديهة. دخل عليه في أول ولايته عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ومعه مصحف وعند السفاح وجوه بني هاشم من أهل بيته وغيرهم، فقال له: يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف. قال: فأشفق عليه الحاضرون أن يعجل السفاح عليه بشئ أو يترك جوابه فيبقى ذلك مسبة عليه وعليهم. فأقبل السفاح عليه غير مغضب ولا منزعج، فقال: إن جدك عليا، كان خيرا مني وأعدل، وقد ولي هذا


(١) في الأصل عبد الدار، (انظر الطبري - ومروج الذهب وابن الأثير).

<<  <  ج: ص:  >  >>