وفي ربيع الأول حرد السُّلْطَانُ تَجْرِيدَةً نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافٍ إِلَى الْيَمَنِ لخروج عمه عليه (٣) ، وصحبتهم خلق كثير من الحجاج، منه الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ النُّوَيْرِيُّ.
وَفِيهِ زَادَتْ دِجْلَةُ بِبَغْدَادَ حَتَّى غَرَّقَتْ مَا حَوْلَ بَغْدَادَ وَانْحَصَرَ النَّاسُ بِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ لَمْ تُفْتَحْ أَبْوَابُهَا، وَبَقِيَتْ مِثْلَ السَّفِينَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ، وَغَرِقَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْفَلَّاحِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَتَلِفَ لِلنَّاسِ ما يعلمه إلا الله، وودع أهل البلد بعضهم بعضاً، ولجأوا إلى الله تعالى وحملوا المصاحف على رؤوسهم في شدة الشوق في أنفسهم حَتَّى الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَكَانَ وَقْتًا عَجِيبًا، ثُمَّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِمْ فَغِيضَ الْمَاءُ وَتَنَاقَصَ، وَتَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمُ الجائرة وغير الجائرة، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَرِقَ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ نَحْوٌ من ستة آلاف وستمائة بيت، وإلى عشر سنين لا يرجع ما غرق.
(١) وهو مختصر منتهى السؤل والامل في علم الأصول والجدل للشيخ عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (كشف الظنون ٢ / ١٦٢٥) .