للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُبَادِرَ إِلَيْهِمْ وَيَحْتَاطَ عَلَيْهِمْ وَيَبْعَثَ الشَّرَطَ وَالْمُقَاتِلَةَ فَيَقْمَعُهُمْ عَمَّا هُمْ مُجْمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ إِرَادَةِ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ.

فَقَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ وَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَا بَلَغَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ الْأَخْذَ بِثَأْرِ الحسين، ولقد علموا أنني لَسْتُ مِمَّنْ قَتَلَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَمِمَّنْ أُصِيبَ بقتله وكره قتله، فرحمه اللَّهُ وَلَعَنَ قَاتِلَهُ، وَإِنِّي لَا أَتَعَرَّضُ لِأَحَدٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَنِي

بِالشَّرِّ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ يريدون الأخذ بثأر الحسين فليعمدوا إلى ابن زِيَادٍ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحُسَيْنَ وَخِيَارَ أهله فليأخذوا منه بالثأر، ولا يخرجوا بسلاحهم عَلَى أَهْلِ بَلَدِهِمْ، فَيَكُونُ فِيهِ حَتْفُهُمْ وَاسْتِئْصَالُهُمْ.

فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ الْأَمِيرُ الْآخَرُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ كَلَامُ هَذَا الْمُدَاهِنِ، إِنَّا وَاللَّهِ قَدِ استيقنا من أنفسنا أَنَّ قَوْمًا يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ عَلَيْنَا، وَلَنَأْخُذَنَّ الْوَالِدَ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدَ بِالْوَالِدِ، وَالْحَمِيمَ بِالْحَمِيمِ، وَالْعَرِيفَ بِمَا في عرافته، حتى تدينوا بالحق وتذلوا لِلطَّاعَةِ.

فَوَثَبَ إِلَيْهِ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ الْفَزَارِيُّ فقطع كلامه فقال: يا بن النَّاكِثِينَ أَتُهَدِّدُنَا بِسَيْفِكَ وَغَشْمِكَ؟ أَنْتَ وَاللَّهِ أَذَلُّ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّا لَا نَلُومُكَ عَلَى بُغْضِنَا وقد قتلنا أباك وجدك، وإنا لنرجوا أَنَّ نُلْحِقَكَ بِهِمَا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ هذا القصر.

وساعد المسيب بن نجية من أصحاب إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ جَمَاعَةٌ مِنَ العمال، وجرت فتنه وشئ كبير فِي الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الخطمي عن المنبر وحاولوا أن يوفقوا بَيْنَ الْأَمِيرَيْنِ فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَتِ الشِّيعَةُ أَصْحَابُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ بِالسِّلَاحِ، وَأَظْهَرُوا مَا كَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَى النَّاسِ، وَرَكِبُوا مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ فقصدوا نحو الجزيرة، وكان من أمرهما ما سنذكره.

وأما المختار بن عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ الْكَذَّابُ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَغِيضًا إلى الشيعة من يوم طعن الحسين وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى الشَّامِ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَجَأَ إِلَى الْمَدَائِنِ، فَأَشَارَ الْمُخْتَارُ عَلَى عَمِّهِ وَهُوَ نائب المدائن بأن يقبض على الحسين وَيَبْعَثَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَيَتَّخِذُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ الْيَدَ البيضاء، فامتنع عمر المختار مِنْ ذَلِكَ، فَأَبْغَضَتْهُ الشِّيعَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فلمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ مَا كَانَ وَقَتَلَهُ ابْنُ زِيَادٍ، كَانَ الْمُخْتَارُ يَوْمَئِذٍ بِالْكُوفَةِ فَبَلَغَ ابْنَ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ: لَأَقُومَنَّ بِنَصْرَةِ مُسْلِمٍ وَلَآخُذُنَّ بِثَأْرِهِ، فَأَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَضَرَبَ عَيْنَهُ بِقَضِيبٍ كَانَ بِيَدِهِ فَشَتَرَهَا، وَأَمَرَ بِسِجْنِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ أُخْتَهُ سَجْنُهُ بَكَتْ وَجَزِعَتْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ فِي إِخْرَاجِ الْمُخْتَارِ مِنَ السِّجْنِ، فَبَعَثَ يَزِيدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ: أَنَّ سَاعَةَ وُقُوفِكَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ تُخْرِجُ المختار بن عُبَيْدٍ مِنَ السِّجْنِ، فَلَمْ يُمْكِنِ ابْنَ زِيَادٍ غَيْرُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَهُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ وَجَدْتُكَ بعد ثلاثة أيام بالكوفة ضَرَبْتُ عُنُقَكَ.

فَخَرَجَ الْمُخْتَارُ إِلَى الْحِجَازِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ

لَأَقْطَعَنَّ أَنَامِلَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زياد، ولأقتلن بالحسين بن علي على عدد من قتل بدم يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا.

فَلَمَّا اسْتَفْحَلَ أَمْرُ عَبْدِ الله بن الزبير بايعه المختار بن عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ عِنْدَهُ، وَلَمَّا حاصره الحصين بن نمير مع أهل الشام قاتل المختار دون ابن الزبير أَشَدَّ الْقِتَالِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>