للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضحكين: هذا لا يوقن بالموت، عمره تسعون سنة واستأجر أرضا ثلاثمائة سنة، فاستضحك القوم والله أعلم.

[ثم دخلت سنة ثلاث وستمائة]

فيها جرت أمور طويلة بالمشرق بين الغورية والخوارزمية، وملكهم خوارزم شاه بن تكش ببلاد الطالقان. وفيها ولى الخليفة القضاء ببغداد لعبد الله بن الدامغاني. وفيها قبض الخليفة على عبد السلام بن عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلاني، بسبب فسقه وفجوره، وأحرقت كتبه وأمواله قبل ذلك لما فيها من كتب الفلاسفة، وعلوم الأوائل، وأصبح يستعطي بين الناس، وهذا بخطيئة قيامه على أبي الفرج بن الجوزي، فإنه هو الذي كان وشى به إلى الوزير ابن القصاب حتى أحرقت بعض كتب ابن الجوزي، وختم على بقيتها، ونفي إلى واسط خمس سنين، والناس يقولون: في الله كفاية وفي القرآن، وجزاء سيئة سيئة مثلها، والصوفية يقولون: الطريق يأخذ. والأطباء يقولون الطبيعة مكافئة. وفيها نازلت الفرنج حمص فقاتلهم ملكها أسد الدين شيركوه، وأعانه بالمدد الملك الظاهر صاحب حلب فكف الله شرهم. وفيها اجتمع شابان (١) ببغداد على الخمر فضرب أحدهما الآخر بسكين فقتله وهرب، فأخذ فقتل فوجد معه (٢) رقعة فيها بيتان من نظمه أمر أن تجعل بين أكفانه:

قدمت على الكريم بغير زاد … من الأعمال بالقلب السليم

وسوء الظن أن تعتد زادا … إذا كان القدوم على كريم

وفيها توفي من الأعيان:

[الفقيه أبو منصور]

عبد الرحمن بن الحسين بن النعمان النبلي، الملقب بالقاضي شريح لذكائه وفضله وبرعاته وعقله وكمال أخلاقه، ولي قضاء بلده ثم قدم بغداد فندب إلى المناصب الكبار فأباها، فحلف عليه الأمير طاشتكين أن يعمل عنده في الكتابة فخدمه عشرين سنة، ثم وشى به الوزير ابن مهدي إلى المهدي فحبسه في دار طاشتكين إلى أن مات في هذه السنة، ثم إن الوزير الواشي عما قريب حبس بها أيضا، وهذا مما نحن فيه من قوله: كما تدين تدان.


(١) قال في النجوم الزاهرة ٦/ ١٩٣: أحدهما أبو القاسم أحمد بن المقرئ صاحب ديوان الخليفة. داعب ابن الأمير أصبه، وكان شابا جميلا فرماه بسكين فقتله. فسلمه الخليفة إلى أولاد ابن أصبه فقتلوه. قال ابن الأثير: وعمر كل واحد منهما يقارب عشرين سنة (الكامل ١٢/ ٢٥٧).
(٢) قال ابن الأثير إنه طلب دواة وورقة بيضاء وكتب البيتين لما أرادوا قتله. (١٢/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>