للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّلْطَانَ بِيَدِهِ خِلْعَةً سَوْدَاءَ، وَطَوْقًا فِي عُنُقِهِ، وَقَيْدًا فِي رِجْلَيْهِ وَهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَصَعِدَ فخر الدين إبراهيم بن لقمان وهو رئيس الكتاب منبراً فقرأ على الناس تقليد السلطان، وهو من إنشائه وبخط نَفْسِهِ (١) ، ثُمَّ رَكِبَ السُّلْطَانُ بِهَذِهِ الْأُبَّهَةِ وَالْقَيْدُ فِي رِجْلَيْهِ، وَالطَّوْقُ فِي عُنُقِهِ، وَالْوَزِيرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ التَّقْلِيدُ (٢) وَالْأُمَرَاءُ وَالدَّوْلَةُ فِي خِدْمَتِهِ مُشَاةٌ سِوَى الْوَزِيرِ، فَشَقَّ الْقَاهِرَةَ وَقَدْ زينت له، وكان يوماً مشهوداً، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيخ قُطْبُ الدِّينِ هَذَا التَّقْلِيدَ بتمامه، وهو مطول والله أعلم.

ذهاب الخليفة إِلَى بَغْدَادَ ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ طَلَبَ مِنَ السلطان أن يجهزه إلى بغداد، فرتب السلطان لَهُ جُنْدًا هَائِلَةً وَأَقَامَ لَهُ مِنْ كُلِّ ما ينبغي للخلفاء والملوك.

ثم سار السلطان صحبته قاصدين دمشق (٣) ، وكان سبب خروج السلطان من مصر إلى الشام، أن التركي كَمَا تَقَدَّمَ كَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى حَلَبَ، فأرسل إليه الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي كان قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى دِمَشْقَ فَطَرَدَهُ عَنْ حَلَبَ وتسلمها، وَأَقَامَ بِهَا نَائِبًا عَنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ لَمْ يزل التركي حتى استعادها منه وأخرجه منها هارباً، فاستناب الظاهر على مصر عز الدين أيد مر الحلبي وَجَعَلَ تَدْبِيرَ الْمَمْلَكَةِ إِلَى الْوَزِيرِ بَهَاءِ الدِّينِ بن الحنا، وأخذ ولده فخر الدين معه وزيراً وَجَعَلَ تَدْبِيرَ الْعَسَاكِرِ وَالْجُيُوشِ إِلَى الْأَمِيرِ بَدْرِ الدين بيليك الخازندار، ثم

ساروا فدخلوا دمشق يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَصَلَّيَا الْجُمُعَةَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ دُخُولُ الْخَلِيفَةِ مِنْ بَابِ الْبَرِيدِ، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ مِنْ باب الزيارة.

وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا أَيْضًا، ثُمَّ جَهَّزَ السُّلْطَانُ الخليفة إلى بغداد ومعه أَوْلَادَ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنِ اسْتَقَلَّ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ الَّذِينَ يَرُدُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يقدِّر اللَّهُ مِنَ الذَّهَبِ الْعَيْنِ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ (٤) ، وَأَطْلَقَ لَهُ وَزَادَهُ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَدِمَ إِلَيْهِ صَاحِبُ حِمْصَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ فَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ لَهُ وَزَادَهُ تَلَّ بَاشِرٍ، وَقَدِمَ صَاحِبُ حَمَاةَ الْمَنْصُورُ فَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ لَهُ وَكَتَبَ لَهُ تَقْلِيدًا بِبِلَادِهِ، ثُمَّ جَهَّزَ جَيْشًا صُحْبَةَ الْأَمِيرِ عَلَاءِ الدِّينِ البند قداري إلى حلب لمحاربة التركي المتغلب عليها المفسد فيها.

وَهَذَا كُلُّ مَا بَلَغَنَا مِنْ وَقَائِعِ هَذِهِ السنة ملخصا.


(١) نسخة التقليد في الروض الزاهر ص ١٠٢ وما بعدها.
وفي السلوك ١ / ٤٥٣.
(٢) في الروض الزاهر: حمل التقليد الأمير جمال الدين النجيبي استاذ الدار والصاحب بهاء الدين.
(٣) وكان ذلك يوم السبت سادس شوال كما في الروض الزاهر، وفي تاريخ أبي الفداء: في رمضان من هذه السنة.
(٤) في الروض الزاهر ص ١١٢: ألف ألف دينار وستون ألف دينار عينا.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>