للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفعل بِمَنْ يَعْصِيكَ، وَرَفَعَ الطَّاعُونَ فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ مَاتَ فِي تِلْكَ السَّاعة سَبْعِينَ أَلْفًا وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ عِشْرِينَ أَلْفًا وَكَانَ فِنْحَاصُ بِكْرَ أَبِيهِ العزار بن هرون فَلِهَذَا يَجْعَلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِوَلَدِ فِنْحَاصَ مِنَ الذبيحة اللية (١) وَالذِّرَاعَ وَاللَّحْيَ وَلَهُمُ الْبِكْرُ مِنْ كُلِّ أَمْوَالِهِمْ وأنفسهم.

وهذا الذي ذكره ابن اسحق مِنْ قِصَّةِ بِلْعَامَ صَحِيحٌ قَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلف لَكِنْ لَعَلَّهُ لَمَّا أَرَادَ مُوسَى دُخُولَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ من الديار المصرية ولعله مراد بن إِسْحَاقَ، وَلَكِنَّهُ مَا فَهِمَهُ بَعْضُ النَّاقِلِينَ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ نَصِّ التَّوْرَاةِ مَا يَشْهَدُ لِبَعْضِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَعَلَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى

كَانَتْ فِي خِلَالِ سَيْرِهِمْ فِي التِّيهِ فَإِنَّ فِي هَذَا السِّيَاقِ ذِكْرَ حُسْبَانَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ أَرْضِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ هَذَا لِجَيْشِ مُوسَى الَّذِينَ عَلَيْهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حِينَ خَرَجَ بِهِمْ مِنَ التِّيهِ قَاصِدًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّدِّيَّ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالَّذِي عَلَيْهِ الجمهور أن هرون تُوُفِّيَ بِالتِّيهِ قَبِلَ مُوسَى أَخِيهِ بِنَحْوٍ مَنْ سَنَتَيْنِ.

وَبَعْدَهُ مُوسَى فِي التِّيهِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَا وَأَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُقَرَّبَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ فَكَانَ الَّذِي خَرَجَ بِهِمْ مِنَ التِّيهِ وَقَصَدَ بِهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّاريخ أنَّه قطع بني إِسْرَائِيلَ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ وَانْتَهَى إِلَى أَرِيحَا وَكَانَتْ مَنْ أَحْصَنِ الْمَدَائِنَ سُورًا وَأَعْلَاهَا قُصُورًا وَأَكْثَرِهَا أَهْلًا فَحَاصَرَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهَا يَوْمًا وَضَرَبُوا بِالْقُرُونِ يَعْنِي الْأَبْوَاقَ وَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَفَسَّخَ سُورُهَا وَسَقَطَ وَجْبَةً وَاحِدَةً فَدَخَلُوهَا وَأَخَذُوا مَا وَجَدُوا فِيهَا مِنَ الْغَنَائِمِ، وَقَتَلُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَحَارَبُوا مُلُوكًا كَثِيرَةً.

وَيُقَالُ إِنَّ يُوشَعَ ظَهَرَ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ الشَّامِ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُ انْتَهَى مُحَاصَرَتُهُ لَهَا إِلَى يَوْمِ جُمُعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ.

فلمَّا غَرَبَتِ الشَّمس أَوْ كَادَتْ تَغْرُبُ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمُ السَّبْتُ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِمْ وَشُرِعَ لَهُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ قَالَ لَهَا إنَّك مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهم احْبِسْهَا عَلَيَّ فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْ فَتْحِ الْبَلَدِ، وَأَمَرَ الْقَمَرَ فَوَقَفَ عِنْدَ الطُّلُوعِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ كَانَتِ اللَّيْلَةَ الرابعة عشرة من الشهر الأول، وَهُوَ قِصَّةُ الشَّمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ.

وَأَمَّا قِصَّةُ الْقَمَرِ فَمِنْ عِنْدِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ بَلْ فِيهِ زِيَادَةٌ تُسْتَفَادُ فَلَا تُصَدَّقُ وَلَا تُكَذَّبُ وَلَكِنَّ ذِكْرَهُمْ أَنَّ هَذَا فِي فَتْحِ أَرِيحَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ وَفَتْحُ أَرِيحَا كَانَ وَسِيلَةً إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ لِبَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ " (٢) .

انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.

وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي فَتَحَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا مُوسَى، وَأَنَّ حَبْسَ الشَّمْسِ كَانَ فِي فَتْحِ بيت


(١) في الطبري: القبة.
(٢) مسند أحمد ج ٢ / ٣٢٥.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>