للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ اسْتَهَلَّتْ وَخَلِيفَةُ الْوَقْتِ الْحَاكِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَبُو العباس أحمد بالعباسي، وَسُلْطَانُ الْإِسْلَامِ الْمَلِكُ الظَّاهِرُ.

وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ رَكِبَ السُّلْطَانُ إِلَى البحر لالتقاء الشَّوَانِي الَّتِي عُمِلَتْ عِوَضًا عَمَّا غَرِقَ بِجَزِيرَةِ قبرص، وهي أربعون شينياً، فَرَكِبَ فِي شِينِيٍّ مِنْهَا وَمَعَهُ الْأَمِيرُ بَدْرُ الدين، فَمَالَتْ بِهِمْ فَسَقَطَ الْخَزَنْدَارُ فِي الْبَحْرِ فَغَاصَ فِي الْمَاءِ فَأَلْقَى إِنْسَانٌ نَفْسَهُ وَرَاءَهُ فَأَخَذَ بِشَعْرِهِ وَأَنْقَذَهُ مِنَ الْغَرَقِ، فَخَلَعَ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ.

وَفِي أَوَاخِرِ (١) الْمُحَرَّمِ رَكِبَ السُّلْطَانُ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنَ الْخَاصِّكِيَّةِ، وَالْأُمَرَاءِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ حَتَّى قَدِمَ الْكَرَكَ، وَاسْتَصْحَبَ نَائِبَهَا مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ، فَدَخَلَهَا فِي ثَانِي عَشَرَ (٢) صَفَرٍ، وَمَعَهُ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْدَمُرُ نَائِبُ

الْكَرَكِ (٣) ، فَوَلَّاهُ نِيَابَةَ دِمَشْقَ وَعَزَلَ عَنْهَا جَمَالَ الدِّينِ آقُوشَ النَّجِيبِيَّ فِي رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حَمَاةَ وَعَادَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ.

وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَصَلَتِ الجفال مِنْ حَلَبَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ إِلَى دِمَشْقَ بِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ التَّتَارِ، وَجَفَلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ.

وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ وَصَلَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ إِلَى حَضْرَةِ السُّلْطَانِ إِلَى دِمَشْقَ فَسَارَ بِهِمْ مِنْهَا فِي سَابِعِ الشَّهْرِ، فَاجْتَازَ بِحَمَاةَ وَاسْتَصْحَبَ مَلِكَهَا الْمَنْصُورَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى حَلَبَ فَخَيَّمَ بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ بِهَا، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَسَاكِرَ الرُّومِ جَمَعُوا نَحْوًا مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَبَعَثُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ فَأَغَارُوا عَلَى عين تاب، ووصلوا إلى نسطون وَوَقَعُوا عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ التُّرْكُمَانِ بَيْنَ حَارِمٍ وَأَنْطَاكِيَّةَ فَاسْتَأْصَلُوهُمْ فَلَمَّا سَمِعَ التَّتَارُ بِوُصُولِ السُّلْطَانِ ومعه العساكر المنصورة ارتدوا على أعقابهم راجعين، وَكَانَ بَلَغَهُ أَنَّ الْفِرِنْجَ أَغَارُوا عَلَى بِلَادِ قَاقُونَ وَنَهَبُوا طَائِفَةً مِنَ التُّرْكُمَانِ، فَقَبَضَ عَلَى الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ هُنَاكَ حَيْثُ لَمْ يَهْتَمُّوا بِحِفْظِ البلاد وعادوا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ.

وَفِي ثَالِثِ شَعْبَانَ أَمْسَكَ السلطان قاضي الحنابلة بمصر شمس الدين أحمد بْنَ الْعِمَادِ الْمَقْدِسِيَّ، وَأَخَذَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْوَدَائِعِ فَأَخَذَ زَكَاتَهَا وَرَدَّ بَعْضَهَا إِلَى أَرْبَابِهَا، وَاعْتَقَلَهُ إِلَى شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَكَانَ الَّذِي وَشَى بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ يُقَالُ لَهُ شَبِيبٌ (٤) ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِلسُّلْطَانِ


(١) في الروض الزاهر ص ٣٩١: ليلة سابع وعشرين.
(٢) في الروض: ثالث عشر.
(٣) تقدم أنَّه مات سنة ٦٦٧ هـ.
وفي الروض الزاهر ص ٣٩١: صحبه السلطان معه هذه السنة - يعني أنه لا يزال حيا حتى هذه السنة - وقلده نيابة السلطنة بالشام وكتب بتقليد نيابة السلطنة بالكرك إلى عز الدين أيدكين استاذ الدار وقد تسلمها في ثامن صفر، أما أبو الفداء فقال: انه ولى علاء الدين نيابة السلطنة في دمشق وتسلمها في مستهل ربيع الأول.
(٤) وهو تقي الدين شبيب بن حمدان بن شبيب الحراني توفي بالقاهرة في ربيع الآخر سنة ٦٩٥ هـ.
وكان سبب الخلاف بينه وبين القاضي أنا أخا لشبيب - الإمام نجم الدين أحمد - كان ينوب عن القاضي شمس الدين في المحلة - إحدى = (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>