فقال: يموت وأنا لا أدخل مدخلا يسخط الله علي ويغضبه، وأبى أن يدخل، وانصرف راجعا إلى دارهم، فدخل الرجل على ابن كليب فذكر له ما كان من أمر أسلم معه، وقد كان غلام ابن كليب دخل عليه قبل ذلك وبشره بقدوم معشوقه عليه، ففرح بذلك جدا، فلما تحقق رجوعه عنه اختلط كلامه واضطرب في نفسه، وقال لذلك الرجل الساعي بينهما: اسمع يا أبا عبد الله واحفظ عني ما أقول، ثم أنشده:
أسلم يا راحة العليل … رفقا على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي … من رحمة الخالق الجليل
فقال له الرجل: ويحك اتق الله تعالى، ما هذه العظيمة؟ فقال: قد كان ما سمعت، أو قال القول ما سمعت. قال فخرج الرجل من عنده فما توسط الدار حتى سمع الصراخ عليه، وسمع صيحة الموت وقد فارق الدنيا على ذلك. وهذه زلة شنعاء، وعظيمة صلعاء، وداهية دهياء، ولولا أن هؤلاء الأئمة ذكروها ما ذكرتها، ولكن فيها عبرة لأولي الألباب، وتنبيه لذوي البصائر والعقول، أن يسألوا الله رحمته وعافيته، وأن يستعيذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقهم حسن الخاتمة عند الممات إنه كريم جواد.
قال الحميدي: وأنشدني أبو علي بن أحمد قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن لأحمد بن كليب وقد أهدى إلى أسلم كتاب الفصيح لثعلب:
هذا كتاب الفصيح … بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا … كما وهبتك روحي
الحسن (١) بن أحمد
ابن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران البزاز، أحد مشايخ الحديث، سمع الكثير، وكان ثقة صدوقا، جاء يوما شاب غريب فقال له: إني رأيت رسول الله ﷺ في المنام فقال لي: اذهب إلى أبي علي بن شاذان فسلم عليه وأقره مني السلام. ثم انصرف الشاب فبكى الشيخ وقال: ما أعلم لي عملا استحق به هذا غير صبري على سماع الحديث، وصلاتي على رسول الله ﷺ كلما ذكر. ثم توفي بعد شهرين أو ثلاثة من هذه الرؤيا في محرمها، عن سبع وثمانين سنة ودفن بباب الدير.
(١) في الكامل ٩/ ٤٤٥ الحسين، قال: وكان مولده سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ببغداد.