للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبعين ومائة.

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عياش بن هشام عن أبيه قال: ولد محمد الأمين بن هارون الرشيد في شوال سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ.

وَأَتَتْهُ الْخِلَافَةُ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ بغداد لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سنة ثلاث وتسعين وقيل ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم (١) ، وقتل سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، قَتَلَهُ قُرَيْشٌ الدَّنداني، وَحُمِلُ رَأْسُهُ إِلَى طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ فَنَصَبَهُ على رمح وتلا هذه الآية (في اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) [آلِ عِمْرَانَ: ٢٦] وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ (٢) ، وَكَانَ طَوِيلًا سَمِينًا أَبْيَضَ أَقْنَى الْأَنْفِ صَغِيرَ الْعَيْنَيْنِ.

عَظِيمَ الْكَرَادِيسِ بَعِيدًا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ.

وَقَدْ رَمَاهُ

بَعْضُهُمْ بِكَثْرَةِ اللَّعِبِ وَالشُّرْبِ وَقِلَّةِ الصَّلَاةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ طَرَفًا مِنْ سِيرَتِهِ فِي إِكْثَارِهِ مِنِ اقتناء السودان والخصيان، وإعطائه الْأَمْوَالَ وَالْجَوَاهِرَ، وَأَمْرِهِ بِإِحْضَارِ الْمَلَاهِي وَالْمُغَنِّينَ مِنْ سائر البلاد، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِعَمَلِ خَمْسِ حَرَّاقَاتٍ عَلَى صُورَةِ الْفِيلِ وَالْأَسَدِ وَالْعُقَابِ وَالْحَيَّةِ وَالْفَرَسِ، وَأَنْفَقَ عَلَى ذَلِكَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَقَدِ امْتَدَحَهُ أَبُو نُوَاسٍ بِشِعْرٍ أَقْبَحَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَمِينِ فإنَّه قَالَ فِي أَوَّلِهِ: سخَّر اللَّهُ لِلْأَمِينِ مَطَايَا * لَمْ تُسَخَّرْ لِصَاحِبِ الْمِحْرَابِ فَإِذَا مَا رِكَابُهُ سِرْنَ بَرًّا * سَارَ فِي الْمَاءِ رَاكِبًا لَيْثَ غَابِ ثُمَّ وَصَفَ كُلًّا مِنْ تِلْكَ الْحَرَّاقَاتِ.

وَاعْتَنَى الْأَمِينُ بِبِنَايَاتٍ هَائِلَةٍ لِلنُّزْهَةِ وغيرها، وَأَنْفَقَ فِي ذَلِكَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً جِدًّا.

فَكَثُرَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ: أنَّه جَلَسَ يَوْمًا فِي مَجْلِسٍ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالًا جَزِيلًا فِي الْخُلْدِ، وَقَدْ فُرِشَ لَهُ بِأَنْوَاعِ الْحَرِيرِ، ونضِّد بِآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَحْضَرَ نُدَمَاءَهُ وَأَمَرَ الْقَهْرَمَانَةَ أَنْ تُهَيِّئَ لَهُ مِائَةَ جَارِيَةٍ حَسْنَاءَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَبْعَثَهُنَّ إِلَيْهِ عَشْرًا بَعْدَ عَشْرٍ يُغَنِّينَهُ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ اندفعن يغنين بصوت واحد (٣) : همو قَتَلُوهُ كَيْ يَكُونُوا مَكَانَهُ * كَمَا غَدَرَتْ يَوْمًا بِكِسْرَى مَرَازِبُهُ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَتَبَرَّمَ وَضَرَبَ رأسها بالكأس، وأمر بالقهرمانة أَنْ تُلْقَى إِلَى الْأَسَدِ فَأَكَلَهَا.

ثُمَّ اسْتَدْعَى بعشرة فَانْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ: مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ * فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ * يَلْطِمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ فَطَرَدَهُنَّ وَاسْتَدْعَى بِعَشْرٍ غَيْرِهِنَّ، فَلَمَّا حَضَرْنَ انْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ بِصَوْتٍ واحد:


(١) انظر في ولايته الخلافة الطبري ١٠ / ٢٠٨ وابن الاثير ٦ / ٢٨٨ ومروج الذهب ٣ / ٤٧٣ وابن الاعثم ٨ / ٣٠٨ والمعارف ص ١٦٧.
(٢) انظر الطبري ١٠ / ٢٠٩ ومروج الذهب ٣ / ٤٧٣ وابن الاثير ٦ / ٢٨٩ وابن الاعثم ٨ / ٣٠٩.
(٣) في مروج ٣ / ٤٧٩: دعا بجارية من خواص جواريه تسمى ضعفا فغنت، (وانظر الطبري ١٠ / ٢١٨) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>