ثم عزله وولى أخاه بشر بن مروان عليها. وخطب عبد الملك يوما بالكوفة فقال في خطبته: إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولم يغرز ذنبه في الحرم، ثم قال لهم: إني قد استخلفت عليكم أخي بشر بن مروان وأمرته بالاحسان إلى أهل الطاعة، وبالشدة على أهل المعصية، فاسمعوا له وأطيعوا.
وأما أهل البصرة فإنهم لما بلغهم مقتل مصعب تنازع في إمارتها أبان (١) بن عثمان بن عفان، وعبيد الله بن أبي بكرة، فغلبه أبان عليها، فبايعه أهلها فكان أشرف الرجلين، قال أعرابي: والله لقد رأيت رداء أبان مال عن عاتقه يوما فابتدره مروان وسعيد بن العاص أيهما يسويه على منكبيه، وقال غيره: مد أبان يوما رجله فابتدرها معاوية وعبد الله بن عامر أيهما يغمزها، قال: فبعث عبد الملك خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد واليا عليها - يعني على البصرة - فأخذها من أبان واستناب فيها عبيد الله بن أبي بكرة، وعزل أبانا عنها. قالوا: وقد أمر عبد الملك بطعام كثير فعمل لأهل الكوفة فأكلوا من سماطه ومعه يومئذ على السرير عمرو بن حريث، فقال له عبد الملك: ما ألذ عيشنا لو أن شيئا يدوم؟ ولكن كما قال الأول:
وكل جديد يا أميم إلى البلى … وكل امرئ يوما يصير إلى كان
فلما فرغ الناس من الاكل نهض فدار في القصر وجعل يسأل عمرو بن حريث عن أحوال القصر ومن بنى أماكنه وبيوته ثم عاد إلى مجلسه فاستلقى وهو يقول:
اعمل على مهل فإنك ميت … واكدح لنفسك أيها الانسان
فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى … وكأن ما هو كائن قد كان
قال ابن جرير: وفيها رجع عبد الملك كما زعم الواقدي إلى الشام، وفيها عزل ابن الزبير جابر بن الأسود عن المدينة وولى عليها طلحة بن عبد الله بن عوف، وكان هو آخر أمرائه عليها، حتى قدم عليها طارق بن عمرو مولى عثمان من جهة عبد الملك. وفيها حج بالناس عبد الله بن الزبير ولم يبق له ولاية على العراق. قال الواقدي: وفيها عقد عبد العزيز بن مروان نائب مصر لحسان العاني على غزو إفريقية فسار إليها في عدد كثير، فافتتح قرطاجنة وكان أهلها روما عباد أصنام. وفيها قتل نجدة الحروري الذي تغلب على اليمامة، وفيها خرج عبد الله بن ثور في اليمامة.
[وهذه ترجمة مصعب بن الزبير]
وهو مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو
(١) في الطبري ٧/ ١٨٩ وابن الأثير ٤/ ٣٣٦: حمران بن أبان.