[ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائة]
فيها أخذ الرشيد بولاية العهد من بعده لولده محمد بن زبيدة وسماه الأمين، وعمره إذ ذاك خمس سنين، فقال في ذلك سلم الخاسر:
قد وفق الله الخليفة إذ بنى … بيت الخلافة للهجان الأزهر
فهو الخليفة عن أبيه وجده … شهدا عليه بمنظر وبمخبر
قد بايع الثقلان في مهد الهدى … لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
وقد كان الرشيد يتوسم النجابة والرجاحة في عبد الله المأمون، ويقول: والله إن فيه حزم المنصور، ونسك المهدي، وعزة نفس الهادي. ولو شئت أن أقول الرابعة مني لقلت، وإني لأقدم محمد بن زبيدة وإني لاعلم أنه متبع هواه ولكن لا أستطيع غير ذلك. ثم أنشأ يقول:
لقد بان وجه الرأي لي غير أنني … غلبت على الامر الذي كان أحزما
وكيف يرد الدر في الضرع بعدما … نوزع حتى صار نهبا مقسما
أخاف التواء الامر بعد استوائه … وأن ينقض الامر الذي كان أبرما
وغزا الصائفة عبد الملك بن صالح، في قول الواقدي. وحج بالناس الرشيد. وفيها سار يحيى بن عبد الله بن حسن إلى الديلم وتحرك هناك. وفيها توفي من الأعيان:
[شعوانة العابدة الزاهدة]
كانت أمة سوداء كثيرة العبادة روي عنها كلمات حسان، وقد سألها الفضيل بن عياض الدعاء فقالت: أما بينك وبينه ما إن دعوته استجاب لك؟ فشهق الفضيل ووقع مغشيا عليه. وفيها توفي:
الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم
قال ابن خلكان: كان مولى قيس بن رفاعة وهو مولى عبد الرحمن بن مسافر الفهمي، كان الليث إمام الديار المصرية بلا مدافعة، وولد بقرقشندة من بلاد مصر سنة أربع وتسعين. وكانت وفاته في شعبان من هذه السنة، ونشأ بالديار المصرية. وقال ابن خلكان: أصله من قلقشندة (١) وضبطه بلامين الثانية متحركة. وحكى عن بعضهم أنه كان جيد الذهن، وأنه ولي القضاء بمصر فلم يحمدوا
(١) قلقشندة: قرية من قرى الوجه البحري من القاهرة، بينها وبين القاهرة مقدار ثلاثة فراسخ وقرقشندة: قرية بأسفل مصر بالريف ولد بها الليث بن سعد، وأهل بيته يقولون إن أصله من الفرس من أهل أصبهان (معجم البلدان ٤/ ٣٢٧).