استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميين، وأزال الأذان منها بحي على خير العمل، بعد أن كان يؤذن به على منابر دمشق وسائر الشام، مائة وست سنين، كان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي الله عنهم، فأمر هذا السلطان المؤذنين والخطباء أن يترضوا عن الصحابة أجمعين، ونشر العدل وأظهر السنة، وهو أول من أسس القلعة بدمشق، ولم يكن فيها قبل ذلك معقل يلتجئ إليه المسلمون من العدو، فبناها في محلتها هذه التي هي فيها اليوم، وكان موضعها بباب البلدة يقال له باب الحديد، وهو تجاه دار رضوان منها، وكان ابتداء ذلك في السنة الآتية، وإنما أكملها بعده الملك المظفر تتش بن ألب أرسلان السلجوقي كما سيأتي بيانه.
وحج بالناس فيها مقطع الكوفة.
وهو الأمير السكيني جنفل التُّرْكِيُّ، وَيُعْرَفُ بِالطَّوِيلِ، وَكَانَ قَدْ شَرَّدَ خَفَاجَةَ فِي الْبِلَادِ وَقَهَرَهُمْ، وَلَمْ يَصْحَبْ مَعَهُ سِوَى ستة عشر تركياً، فوصل إلى مكة سالماً، وَلَمَّا نَزَلَ بِبَعْضِ دُورِهَا كَبَسَهُ بَعْضُ الْعَبِيدِ.
فقتل منهم مقتلة عظيمة، وهزمهم هزيمة شنيعة، ثم إنه بَعُدَ ذلك إنما كان ينزل بِالزَّاهِرِ.
قَالَهُ ابْنُ السَّاعِي فِي تَارِيخِهِ، وَأُعِيدَتِ الخطبة في هذه السنة للعباسيين في ذي الحجة (١) منها، وقطعت خطبة المصريين ولله الحمد والمنة.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ ... مُحَمَّدُ بْنُ علي ابن أحمد بن عيسى بن موسى، أبو تمام بن أبي القاسم بن الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، نَقِيبُ الْهَاشِمِيِّينَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْفَقِيهِ الْحَنْبَلِيِّ، رَوَى الْحَدِيثَ وَسَمِعَ مِنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، وَدُفِنَ بِبَابِ حرب.
محمد بن القاسم ابن حَبِيبِ بْنِ عَبْدُوسٍ، أَبُو بَكْرٍ الصَّفَّارُ مِنْ أَهْلِ نَيْسَابُورَ، سَمِعَ الْحَاكِمَ وَأَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَخَلْقًا، وَتَفَقَّهَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ، وَكَانَ يَخْلُفُهُ فِي حَلْقَتِهِ.