للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقتل الأسود العنسي، المتنبِّي الكذَّاب

قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حدَّثني عَمْرُو بن شبة (١) النُّمَيْرِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ محمَّد - يَعْنِي الْمَدَائِنِيَّ - عن أبي معشر ويزيد بن عياض عن جعد به، وغسَّان بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَجُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْ مَشْيَخَتِهِمْ قَالُوا: أَمْضَى أَبُو بَكْرٍ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَأَتَى مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بَعْدَ مَخْرِجِ أُسَامَةَ، فَكَانَ ذَلِكَ أوَّل فَتْحٍ فتح أبو بَكْرٍ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ.

صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ

قَدْ أَسْلَفْنَا فِيمَا تقدَّم أنَّ الْيَمَنَ كَانَتْ لِحِمْيَرَ، وَكَانَتْ مُلُوكُهُمْ يسمُّون التَّبَابِعَةَ، وتكلَّمنا فِي أيَّام الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى طَرَفٍ صَالِحٍ مِنْ هَذَا، ثمَّ إنَّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ بَعَثَ أَمِيرَيْنِ مِنْ قُوَّادِهِ، وَهُمَا أَبَرْهَةُ

الْأَشْرَمُ، وَأَرْيَاطُ، فتملَّكا لَهُ الْيَمَنَ مِنْ حِمْيَرَ، وَصَارَ مُلْكُهَا لِلْحَبَشَةِ، ثمَّ اخْتَلَفَ هَذَانَ الْأَمِيرَانِ، فَقُتِلَ أَرْيَاطُ واستقلَّ أَبَرْهَةُ بالنِّيابة، وبنى كنيسة سماها العانس (٢) ، لارتفاعها، وأورد أَنْ يَصْرِفَ حجَّ الْعَرَبِ إِلَيْهَا دُونَ الْكَعْبَةِ، فَجَاءَ بَعْضُ قُرَيْشٍ فَأَحْدَثَ فِي هَذِهِ الْكَنِيسَةِ، فلمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ حَلَفَ ليخربنَّ بَيْتَ مَكَّةَ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ الجُّنود وَالْفِيلُ مَحْمُودٌ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ * وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ، فَرَجَعَ أَبَرْهَةُ بِبَعْضِ مَنْ بَقِيَ مِنْ جَيْشِهِ فِي أَسْوَأِ حَالٍ وشرِّ خَيْبَةٍ، وَمَا زَالَ تَسْقُطُ أَعْضَاؤُهُ أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، فلمَّا وَصَلَ إِلَى صَنْعَاءَ انْصَدَعَ صَدْرُهُ فَمَاتَ، فَقَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ بلسيوم (٣) بْنُ أَبْرَهَةَ ثمَّ أَخُوهُ مَسْرُوقُ بْنُ أَبَرْهَةَ، فَيُقَالُ: إنَّه اسْتَمَرَّ مُلْكُ الْيَمَنِ بِأَيْدِي الْحَبَشَةِ سَبْعِينَ سَنَةً، (٤) ثمَّ ثَارَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ، فَذَهَبَ إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّوم يَسْتَنْصِرُهُ عَلَيْهِمْ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ - لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الِاجْتِمَاعِ فِي دِينِ النَّصرانية - فَسَارَ إِلَى كِسْرَى مَلِكِ الْفُرْسِ فَاسْتَغَاثَ بِهِ، وَلَهُ مَعَهُ مَوَاقِفُ وَمَقَامَاتٌ فِي الْكَلَامِ تقدَّم بَسْطُ بَعْضِهَا، ثمَّ اتَّفق الْحَالُ عَلَى أَنْ بَعَثَ مَعَهُ مِمَّنْ بالسُّجون طَائِفَةً تقدَّمهم رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: وَهْرِزُ، فَاسْتَنْقَذَ مُلْكَ الْيَمَنِ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَكَسَرَ مَسْرُوقَ بْنَ أَبَرْهَةَ وَقَتَلَهُ، وَدَخَلُوا إِلَى صَنْعَاءَ وَقَرَّرُوا سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنَ فِي الْمُلْكِ عَلَى عَادَةِ آبَائِهِ، وَجَاءَتِ الْعَرَبُ تهنِّئه مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، غَيْرَ أَنَّ لِكِسْرَى نوابا عن البلاد، فاستمر الحال في ذَلِكَ حَتَّى بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ: ثمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فلمَّا كَتَبَ كُتُبَهُ إِلَى الْآفَاقِ يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، فكتب من جملة ذلك إلى كسرى ملك الفرس:


(١) من الطبري، وفي الاصل شيبة.
(٢) في ابن هشام القليس بضم القاف وتشديد اللام المفتوحة، ومنها القلانس لانها في أعلى الرؤوس.
(٣) في الطبري وابن هشام: يكسوم.
(٤) في ابن هشام والمسعودي: اثنين وسبعين سنة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>