للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنهي عن المنكر فيما يزعمون. وفي هذه السنة قدم زياد بن أبيه على معاوية - وكان قد امتنع عليه قريبا من سنة في قلعة عرفت به يقال لها قلعة زياد - فكتب إليه معاوية: ما يحملك على أن تهلك نفسك؟ أقدم علي فأخبرني بما صار إليك من أموال فارس وما صرفت منها وما بقي عندك فائتني به وأنت آمن، فان شئت أن تقيم عندنا فعلت وإلا ذهبت حيث ما شئت من الأرض فأنت آمن. فعند ذلك أزمع زياد السير إلى معاوية، فبلغ المغيرة قدمه فخشي أن يجتمع بمعاوية قبله، فسار نحو دمشق إلى معاوية فسبقه زياد إلى معاوية بشهر فقال معاوية للمغيرة: ما هذا وهو أبعد منك وأنت جئت بعده بشهر؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه ينتظر الزيادة وأنا أنتظر النقصان، فأكرم معاوية زيادا وقبض ما كان معه من الأموال وصدقه فيما صرفه.

[سنة ثلاث وأربعين]

فيها غزا بسر بن أبي أرطاة بلاد الروم فتوغل فيها حتى بلغ مدينة قسطنطينية، وشتى ببلادهم فيما زعمه الواقدي، وأنكر غيره ذلك وقالوا: لم يكن بها مشتى لاحد قط فالله أعلم. قال ابن جرير: وفيها مات عمرو بن العاص بمصر، ومحمد بن مسلمة، قلت: وسنذكر ترجمة كل منهما في آخرها، فولى معاوية بعد عمرو بن العاص على ديار مصر ولده عبد الله بن عمرو، قال الواقدي: فعمل له عليها سنتين. وقد كانت في هذه السنة - أعين سنة ثلاث وأربعين - وقعة عظيمة بين الخوارج وجند الكوفة، وذلك أنهم صمموا - كما قدمنا - على الخروج على الناس في هذا الحين، فاجتمعوا في قريب من ثلاثمائة عليهم المستورد بن علقمة (١)، فجهز عليهم المغيرة بن شعبة جندا عليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، فصار إليهم وقدم بين يديه أبا الرواع (٢) في طليعة هي ثلاثمائة على عدة الخوارج، فلقيهم أبو الرواع (٢) بمكان يقال له المذار (٣): فاقتتلوا معهم فهزمهم الخوارج ثم كروا عليهم فهزمتهم الخوارج، ولكن لم يقتل أحد منهم، فلزموا مكانهم في مقاتلتهم ينتظرون قدوم أمير الجيش معقل بن قيس عليهم، فما قدم عليهم إلا في آخر نهار غربت فيه الشمس، فنزل وصلى بأصحابه، ثم شرع في مدح أبي الرواع فقال له: أيها الأمير إن لهم شدات منكرة، فكن أنت ردأ الناس، ومر الفرسان فليقاتلوا بين يديك، فقال معقل بن قيس: نعم ما رأيت، فما كان إلا ريثما قال له ذلك حتى حملت الخوارج على معقل وأصحابه، فانجفل عنه عامة أصحابه، فترجل عند ذلك معقل بن قيس وقال: يا معشر المسلمين الأرض الأرض، فترجل


(١) في ابن الأثير ٣/ ٤٢١ علفة وفي سائر المراجع علفة بفتح اللام المشددة. التيمي من تيم الرباب تاريخ الطبري ٦/ ١٠٠.
(٢) في الكامل والطبري: أبو الرواغ الشاكري.
(٣) المذار: في ميسان بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>