للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت أحب الناس إلى الرشيد، وكانت ذات حسن باهر وجمال طاهر، وكان له معها من الحظايا والجواري والزوجات غيرها كثيرا كما ذكرنا ذلك في ترجمته، وإنما لقبت زبيدة لان جدها أبا جعفر المنصور كان يلاعبها ويرقصها وهي صغيرة ويقول: إنما أنت زبيدة، لبياضها، فغلب ذلك عليها فلا تعرف إلا به، وأصل اسمها أم العزيز. وكان لها من الجمال والمال والخير والديانة والصدقة والبر شئ كثير. وروى الخطيب أنها حجت فبلغت نفقتها في ستين يوما أربعة وخمسين ألف ألف درهم.، ولما هنأت المأمون بالخلافة قالت: هنأت نفسي بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنت فقدت ابنا خليفة لقد عوضت ابنا خليفة لم ألده، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجرا على ما أخذ، وإمتاعا بما عوض. توفيت ببغداد في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين.

ثم قال الخطيب: حدثني الحسين بن محمد الخلال لفظا قال: وحدث أبا الفتح القواس قال ثنا صدقة بن هبيرة الموصلي، ثنا محمد بن عبد الله الواسطي قال: قال عبد الله بن المبارك: رأيت زبيدة في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ فقالت غفر لي في أول معول ضرب في طريق مكة. قلت: فما هذه الصفرة؟ قالت: دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي زفرت عليه جهنم زفرة فاقشعر لها جسدي فهذه الصفرة من تلك الزفرة. وذكر ابن خلكان: أنه كان لها مائة جارية كلهن يحفظن القرآن العظيم، غير من قرأ منه ما قدر له وغير من لم يقرأ، وكان يسمع لهن في القصر دوي كدوي النحل، وكان ورد كل واحدة عشر القرآن، وورد أنها رؤيت في المنام فسئلت: عما كانت تصنعه من المعروف والصدقات وما عملته في طريق الحج فقالت: ذهب ثواب ذلك كله إلى أهله، وما نفعنا إلا ركعات كنت أركعهن في السحر. وفيها جرت حوادث وأمور يطول ذكرها.

[ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين]

في المحرم منها دخل المأمون مصر وظفر بعبدوس الفهري فأمر فضربت عنقه، ثم كر راجعا إلى الشام. وفيها ركب المأمون إلى بلاد الروم أيضا فحاصر لؤلؤة مائة يوم، ثم ارتحل عنها واستخلف على حصارها عجيفا فخدعته الروم فأسروه فأقام في أيديهم ثمانية أيام، ثم انفلت منهم واستمر محاصرا لهم، فجاء ملك الروم بنفسه فأحاط بجيشه من ورائه، فبلغ المأمون فسار إليه، فلما أحس توفيل بقدومه هرب وبعث وزيره صنغل فسأله الأمان والمصالحة، لكنه بدأ بنفسه قبل المأمون (١) فرد عليه المأمون كتابا بليغا مضمونه التقريع والتوبيخ، وإني إنما أقبل منك الدخول في الحنيفية وإلا فالسيف والقتل والسلام على من اتبع الهدى وفيها حج بالناس سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي. وفيها توفي الحجاج بن منهال (٢). وشريح بن النعمان (٣). وموسى بن داود الضبي (٤) والله سبحانه أعلم.


(١) نسخة الكتاب في الطبري. ١٠/ ٢٨٣.
(٢) أبو محمد الأنماطي، كان سمسارا حدث عنه البخاري وغيره وسمع شعبة وطائفة وكان ثقة صاحب سنة.
(٣) البغدادي الجوهري الحافظ، كما ثقة مبرزا.
(٤) الضبي. أبو عبد الله الكوفي كان مصنفا مكثرا مأمونا، قاضي طرسوس حتى وفاته وكان ثقة، زاهدا صاحب حديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>