الرَّابعة، ثمَّ جَاوَزَهُ إِلَى الْخَامِسَةِ ثمَّ إِلَى السَّادسة فسلَّم عَلَى مُوسَى بِهَا، ثمَّ جَاوَزَهُ إلى السَّابعة فسلَّم
على إبراهيم الخليل عِنْدَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثمَّ جَاوَزَ ذَلِكَ الْمَقَامَ، فرفع لمستوى سمع فِيهِ صَرِيفُ الْأَقْلَامِ، وَجَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَرَأَى الجنَّة والنَّار وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكُبْرَى، وصلَّى بالأنبياء، وشيَّعه من كل مقربوها، وسلَّم عليه رضوان خازن الجنان، وملك خَازِنُ النَّار، فَهَذَا هُوَ الشَّرف، وَهَذِهِ هِيَ الرِّفعة، وَهَذَا هُوَ التَّكريم والتَّنويه وَالْإِشْهَارُ والتَّقديم وَالْعُلُوُّ وَالْعَظَمَةُ.
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ، وأمَّا رَفْعُ ذِكْرِهِ فِي الْآخِرِينَ، فإنَّ دِينَهُ باقٍ ناسخٍ لكلِّ دِينٍ، وَلَا يُنسخ هُوَ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهرين إِلَى يَوْمِ الدِّين، وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أمَّته ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ الساَّعة، والنِّداء فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَكَذَا كلَّ خَطِيبٍ يَخْطُبُ لَا بدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي خُطْبَتِهِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ حسَّان.
أغرَّ عَليهِ لِلنبُّوةِ خَاتمٌ * مِنَ اللَّهِ مَشهودُ يلوحُ وَيشهدُ وضَمَّ الإلهُ اسمَ النَّبيّ إِلَى اسمهِ * إِذا قالَ فِي الخَمسِ المُؤَذِّنُ أَشهدُ وشقَّ لهُ مِنَ اسمِهِ ليجِلَّهُ * فَذُو العَرشِ محمودُ وهَذا محمَّدُ وقال الصَّرصريّ رحمه الله: ألمْ ترَ أنَّا لَا يصحُّ أَذانُنَا * وَلَا فَرضُنَا إنْ لم نكرِّره فيهِمَا
الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) * [ص: ١٧] وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) * [سبأ: ١٠] وقد ذكرنا قصَّته عليه السلام في التَّفسير، وطيب صَوْتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وأنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنْ قَدْ سَخَّرَ لَهُ الطَّير تسبِّح مَعَهُ، وَكَانَتِ الْجِبَالُ أَيْضًا تُجِيبُهُ وتسبِّح مَعَهُ، وَكَانَ سَرِيعَ القراءة، يأمر بدوابِّه فتسرح فَيَقْرَأُ الزَّبور بِمِقْدَارِ مَا يَفْرَغُ مِنْ شَأْنِهَا ثمَّ يَرْكَبُ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ نبيُّنا صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ
الصَّوت طيَّبه بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم فِي الْمَغْرِبِ بالتِّين والزَّيتون، فَمَا سَمِعْتُ صَوْتًا أَطْيَبَ مِنْ صَوْتِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْرَأُ تَرْتِيلًا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِذَلِكَ * وأمَّا تَسْبِيحُ الطَّير مَعَ داود، فتسبيح الجبال الصُّم أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أنَّ الْحَصَا سبَّح فِي كفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ، وَكَانَتِ الْأَحْجَارُ وَالْأَشْجَارُ وَالْمَدَرُ تسلِّم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ كنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعام وَهُوَ يُؤْكَلُ - يَعْنِي بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - وكلَّمه ذِرَاعُ الشَّاة الْمَسْمُومَةِ، وَأَعْلَمَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ السُّم،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute