للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتمكن هو وأصحابه بمكة من الاجتماع حتى يقيموا بها جمعة ذات خطبة وإعلان بموعظة وما ذاك إلا لشدة مخالفة المشركين له، وأذيتهم إياه.

[ذكر خطبة رسول الله يومئذ]

قال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة النبي في أول جمعة صلاها بالمدينة في بني سالم بن عمرو بن عوف : " الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره واستهديه، وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الاجل. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد وغى وفرط وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرا. وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة [من ربه] (١)، وعون صدق على ما تبتغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر (٢) السر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد. والذي صدق قوله، وأنجز وعده، لأخلف لذلك فإنه يقول تعالى: (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) واتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه: (من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) (ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما) وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه. وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد الموت (٣) فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفه ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه،


(١) من الطبري.
(٢) في الطبري: من أمره في السر والعلانية.
(٣) كذا في الأصل والقرطبي نقلا عن ابن جرير، وفي الطبري: لما بعد اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>