عبد العزيز، وكان عمره يوم مات تسعا وثلاثين سنة وأشهرا، وقيل إنه جاوز الأربعين بأشهر، وقيل بستة. وقيل بأكثر، وقيل إنه عاش ثلاثا وستين سنة، وقيل ستا وثلاثين، وقيل سبعا وثلاثين، وقيل ثمانيا وثلاثين سنة، وقيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ولم يبلغها. وقال أحمد عن عبد الرزاق عن معمر: مات على رأس خمس وأربعين سنة. قال ابن عساكر: وهذا وهم، والصحيح الأول تسعا وثلاثين سنة وأشهرا. وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، وقيل أربعة عشر يوما، وقيل سنتان ونصف.
وكان ﵀ أسمر دقيق الوجه حسنه نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين، بجبهته أثر شجة وكان قد شاب وخضب ﵀، والله سبحانه أعلم.
[فصل]
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة جاءه صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة على عادته مع الخلفاء قبله، فقال له عمر: ما لي ولك؟ تنح عني، إنما أنا رجل من المسلمين. ثم سار وساروا معه حتى دخل المسجد، فصعد المنبر واجتمع الناس إليه فقال: أيها الناس! إني قد ابتليت بهذا الامر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون. فصاح المسلمون صيحة واحدة: قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا، ورضينا كلنا بك. فلما هدأت أصواتهم حمد الله وأثنى عليه وقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شئ، وليس من تقوى الله خلف (١)، وأكثروا من ذكر الموت فإنه هادم اللذات، وأحسنوا الاستعداد له قبل نزوله، وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في كتابها ولا في نبيها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا، ولا أمنع أحدا حقا، ثم رفع صوته فقال: أيها الناس! من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء أمر بها فبيعت، وأدخل أثمانها في بيت المال، ثم ذهب يتبوأ مقيلا، فأتاه ابنه عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع؟ قال: يا بني أقيل، قال: تقيل ولا ترد المظالم إلى أهلها؟ فقال: إني سهرت البارحة في أمر سليمان، فإذا صليت الظهر رددت المظالم. فقال له ابنه: ومن لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن مني أي بني، فدنا منه فقبل بين عينيه وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني. ثم قام وخرج وترك القائلة وأمر مناديه
(١) زيد في صفة الصفوة ٢/ ١١٤: فاعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله ﵎ أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم …