للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حَجَرًا، وَإِذَا وَارَيْتُمُونِي فَاقْعُدُوا عِنْدِي قَدْرَ نحر جزور أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ.

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا

الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَفِيهِ زِيَادَاتٌ عَلَى هَذَا السياق، فَمِنْهَا قَوْلُهُ: كَيْ أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ لِأَنْظُرَ مَاذَا أراجع رُسُلَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ (١) .

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ بَعْدَ هَذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَعَصَيْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَمَا انْتَهَيْنَا، وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا عَفْوُكَ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْغُلِّ مِنْ عُنُقِهِ وَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا قوي فانتصر، ولا برئ فأعتذر، ولا مستنكر بَلْ مُسْتَغْفِرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وأمَّا محمد بن مسلمة الأنصاري [فقد] أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَبْلَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا إِلَّا تَبُوكَ فَإِنَّهُ اسْتَخْلَفَهُ رسول الله على المدينة في قوله، وَقِيلَ اسْتَخْلَفَهُ فِي قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ، وَكَانَ فِيمَنْ قَتَلَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ، وَقِيلَ إِنَّهُ الَّذِي قَتَلَ مَرْحَبًا الْيَهُودِيَّ يَوْمَ خَيْبَرَ أَيْضًا.

وَقَدْ أمَّره رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَرِيَّةً، وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ تِلْكَ الْحُرُوبَ بِالْجَمَلِ وَصِفِّينَ ونحو ذلك، وَاتَّخَذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَخَرَجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.

وكان من سادات الصحابة، وكان هو رسول عُمَرَ إِلَى عُمَّالِهِ وَهُوَ الَّذِي شَاطَرَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ (٢) ، وَلَهُ وَقَائِعُ عَظِيمَةٌ وَصِيَانَةٌ وَأَمَانَةٌ بَلِيغَةٌ، رضي الله عنه، واستعمله عَلَى صَدَقَاتِ جُهَيْنَةَ، وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ جَاوَزَ السَّبْعِينَ، وَتَرَكَ بَعْدَهُ عَشَرَةَ ذُكُورٍ وَسِتَّ بَنَاتٍ، وَكَانَ أَسْمَرَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ طَوِيلًا أَصْلَعَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَبُو يُوسُفَ الْإِسْرَائِيلِيُّ أحد أحبار اليهود، أسلم حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، قال: لما قدم رسول الله الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاس إِلَيْهِ فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ إِلَيْهِ، فلمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ إنَّ وَجْهَهُ ليس بوجه رجل كذَّاب، فَكَانَ أَوَّلَ مَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " أيُّها النَّاس أَفْشَوُا السَّلَامَ، وَأَطْعَمُوا الطَّعام، وصَلُّوا الْأَرْحَامَ تَدْخُلُوا الجنَّة بِسَلَامٍ ".

وَقَدْ ذَكَرْنَا صِفَةَ إِسْلَامِهِ أَوَّلَ الْهِجْرَةِ، وَمَاذَا سَأَلَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَسْئِلَةِ النَّافِعَةِ الْحَسَنَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ له رسول الله بالجنة، وهو ممن يقطع له بدخولها.

سَنَةُ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ

فِيهَا غَزَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ وَمَعَهُ المسلمون وشتوا هنالك، وفيها غزا


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٤ / ١٩٩ ومسلم في صحيحه في الايمان (٥٤) باب.
ح ١٩٢ ص ١ / ١١٢.
(٢) تقدم أن عمر أرسله إلى سعد بن أبي وقاص لما بلغه أنه بنى قصرا في الكوفة وجعل عليه بابا وقال انقطع الصوت.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>