للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن: ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق، وفي رواية: إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: كيف حبك الدينار والدرهم؟ قال: لا أحبهما، فكتب إليه: تولَّ فإنك تعدل.

وقال إبراهيم بن عيسى: ما رأيت أطول حزناً من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة، وقال مسمع: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق.

وقال يزيد بن حوشب: ما رأيت أحزن من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما.

وقال ابن اسباط: مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك، وأربعين سنة لم يمزح.

وقال: ما سمع الخلائق بعورة بادية، وعين باكية مثل يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وقال: ابن آدم! إنك ناظر غداً إلى عملك يوزن خيره وشره (١) ، فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه، فإنك إذا رأيته غداً في ميزانك سرك مكانه.

وقال: ذهبت الدنيا وبقيت أعمالكم قلائد في أعناقكم وقال: ابن آدم! بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً، وهذا مأثور عن لقمان أنه قال لولده.

وقال الحسن: تجد الرجل قد لبس الأحمر والأبيض وقال: هلموا فانظروا إليَّ، قال الحسن: قد رأيناك يا أفسق الفاسقين فلا أهلاً بك ولا سهلاً، فأما أهل الدنيا فقد اكتسبوا بنظرهم إليك مزيد حرص على دنياهم، وجرأة على شهوات الغنى في بطونهم وظهورهم.

وأما أهل الآخرة فقد كرهوك ومقتوك.

وقال: إنهم وإن هملجت بهم البراذين، وزفرت بهم البغال، وطئت أعقابهم الرجال،

إن ذل المعاصي لا يفارق رقابهم، يأبى الله إلا أن يذل من عصاه.

وقال فرقد: دخلنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد: ألا يعجبك من محمد بن الأهتم؟ فقال: ماله؟ فقلنا: دخلنا عليه أنفاً وهو يجود بنفسه فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق - وأومأ إلى صندوق في جانب بيته - فقال: هذا الصندوق فيه ثمانون ألف دينار - أو قال: درهم - لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحماً، ولم يأكل منها [محتاج] .

فقلنا: يا أبا عبد الله، فلمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، ومكاثرة الأقران، وجفوة السلطان.

فقال: انظروا من أين أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، ومكاثرة أقرانه، وجفوة سلطانه؟ ثم قال: أيها الوارث: لا تخدعن كما خدع صويحبك بالأمس، جاءك هذا المال لم تتعب لك فيه يمين، ولم يعرق لك فيه جبين، جاءك ممن كان له جموعاً منوعاً، من باطل جمعه، من حق منعه، ثم قال الحسن: إن يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره فيرزقه الله فيه الصلاح والإنفاق في وجوه البر، فيجد ماله في ميزان غيره.

وكان الحسن يتمثل بهذا البيت في أول النهار يقول:


(١) كذا بالاصل، والعبارة مشوشة وفيه نقص ظاهر.
والعبارة في صفة الصفوة ٣ / ٢٣٥: فلا تحقرن من الخير شيئاً وإن هو صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه ولا تحقرن من الشر شيئا فإنك إذا رأيته ساءك مكانه.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>