الذي يلي المدينة، فهجم منه ودخل القلعة واستدعى الامراء فبايعوه على السلطنة، ولقب بالملك الكامل، وأقام بالقلعة ونادت المنادية بدمشق بذلك، فلما أصبح يوم السبت استدعى بالقضاة والعلماء والأعيان ورؤساء البلد إلى مسجد أبي الدرداء بالقلعة، وحلفهم وحلف له بقية الامراء والعسكر، وأرسل العساكر إلى غزة لحفظ الأطراف وأخذ الغلات، وأرسل الملك المنصور إلى الشوبك (١) فتسلمها نوابه ولم يمانعهم نجم الدين خضر. وفيها جددت أربع أضلاع في قبة النسر من الناحية الغربية. وفيها عزل فتح الدين بن القيسراني من الوزارة بدمشق ووليها تقي الدين بن توبة التكريتي.
وممن توفي فيها من الأعيان:
[عز الدين بن غانم الواعظ]
عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر بن حسين عز الدين أحمد الأنصاري المقدسي، الواعظ المطبق المفلق الشاعر الفصيح، الذي نسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله، وقد أورد له قطب الدين أشياء حسنة كثيرة مليحة، وكان له قبول عند الناس، تكلم مرة تجاه الكعبة المعظمة، وكان في الحضرة الشيخ تاج الدين بن الفزاري والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، وابن العجيل من اليمن وغيرهم من العلماء والعباد، فأجاد وأفاد وخطب فأبلغ وأحسن. نقل هذا المجلس الشيخ تاج الدين بن الفزاري، وأنه كان في سنة خمس وسبعين.
[الملك السعيد بن الملك الظاهر]
بركة خان ناصر الدين محمد بن بركة خان أبو المعالي بن السلطان الملك الظاهر. ركن الدين بيبرس البند قداري، بايع له أبوه الامراء في حياته، فلما توفي أبوه بويع له بالملك وله تسع عشرة سنة، ومشيت له الأمور في أول الأمر على السعادة، ثم إنه غلبت عليه الخاصكية فجعل يلعب معهم في الميدان الأخضر فيما قيل أول هوى، فربما جاءت النوبة عليه فينزل لهم، فأنكرت الامراء الكبار ذلك وأنفوا أن يكون ملكهم يلعب مع الغلمان، ويجعل نفسه كأحدهم، فراسلوه في ذلك ليرجع عما هو عليه فلم يقبل، فخلعوه كما ذكرنا، وولوا السلطان الملك المنصور قلاوون في أواخر رجب كما تقدم. ثم كانت وفاته في هذه السنة بالكرك في يوم الجمعة الحادي عشر من ذي القعدة، يقال إنه سم فالله أعلم، وقد دفن أولا عند قبر جعفر وأصحابه الذين قتلوا بموته، ثم
(١) الشوبك: قلعة حصينة في أطراف الشام بين عمان وأيلة القلزم قرب الكرك (ياقوت)، وقد تسلمها الأمير بدر الدين بيلك الايدمري في ١٨ ذي الحجة سنة ٦٧٨ (السلوك ١/ ٦٧٠).